[ ص: 310 ]  55 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في السبب الذي أنزلت فيه الآيتان اللتان أول سورة الحجرات : يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا  الآية يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي  الآية 
 335  - حدثنا  بكار بن قتيبة  ، حدثنا  مؤمل بن إسماعيل  ، حدثنا  نافع بن عمر الجمحي  ، حدثنا  ابن أبي مليكة  ، عن  ابن الزبير  قال : { قدم الأقرع بن حابس  على رسول الله عليه السلام فقال أبو بكر   : يا رسول الله ، استعمله على قومه . وقال عمر   : لا تستعمله يا رسول الله ، فتكلما في ذلك حتى ارتفعت أصواتهما . فقال أبو بكر  لعمر   : ما أردت إلا خلافي ؟ قال : ما أردت خلافك . قال : فنزلت : لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول   . 
قال : فكان عمر  بعد ذلك إذا تكلم لم يسمع النبي عليه السلام حتى يستفهمه   . قال : وما ذكر أباه ولا جده ، يعني أبا بكر  والزبير  رضي الله عنهما . 
 336  - حدثنا  يوسف بن يزيد  ، حدثنا يعقوب بن أبي عباد  [ ص: 311 ] المكي  ، حدثنا  نافع بن عمر  ، عن  ابن أبي مليكة  قال : كاد الخيران أن يهلكا أبو بكر  وعمر  رفعا أصواتهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه ركب من بني تميم  ، أشار أحدهما بالأقرع بن حابس  أخي بني مجاشع  ، وأشار الآخر برجل آخر لا أحفظ اسمه ، قال أبو بكر  لعمر   : ما أردت إلا خلافي . فقال : ما أردت خلافك . فارتفعت أصواتهما في ذلك ، فأنزل الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم  إلى آخر الآية   . 
حدثنا  يوسف  ، حدثنا يعقوب  ، حدثنا  نافع  قال : قال  ابن أبي مليكة  فقال  ابن الزبير   : فما كان  عمر  يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه   . قال  ابن أبي مليكة   : ولم يذكر ذلك عن أبيه أبي بكر   . 
 [ ص: 312 ] قال  أبو جعفر   : ففي هذا الحديث أن الآية التي أنزلت في المعنى الذي كان من أبي بكر  وعمر  المذكور في هذا الحديث هي : لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول  ، وقد روي أن الآية التي أنزلت في ذلك هي قوله : يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله  الآية . 
 337  - كما حدثنا محمد بن عبد الله بن مخلد الأصبهاني أبو الحسين  ، حدثنا  إسحاق بن أبي إسرائيل  ، حدثني  هشام بن يوسف  في تفسير  ابن جريج   : لا تقدموا بين يدي الله ورسوله  أخبرني  ابن أبي مليكة  أن  عبد الله بن الزبير  أخبرهم ، أنه قدم ركب من بني تميم  على النبي عليه السلام فقال أبو بكر   : أمر القعقاع بن معبد بن زرارة   . وقال عمر   : بل أمر الأقرع بن حابس   . فقال أبو بكر   : ما أردت إلا خلافي ! فقال عمر   : ما أردت خلافك ؛ فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزلت في ذلك : يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله    . 
فكان ما في الحديثين الأولين أشبه بأن تكون الآية المذكورة فيهما هي التي أنزلت فيما كان من أبي بكر  وعمر  في المعنى المذكور فيهما ، والله أعلم . 
وقد شد ذلك ما قد روي مما كان عند نزولها من ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري .   : 
 338  - حدثنا فهد  ، حدثنا  موسى بن إسماعيل أبو سلمة المنقري  ، حدثنا  سليمان يعني : ابن المغيرة  ، حدثنا  ثابت   [ ص: 313 ] عن  أنس  قال : لما نزلت هذه الآية : يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي  قال : { وكان ثابت بن قيس  رفيع الصوت ، فلما نزلت هذه الآية جلس في بيته ، وقال : أنا الذي كنت أرفع صوتي فوق صوت النبي ، وأجهر له بالقول ، حبط عملي ، وأنا من أهل النار . ففقده النبي عليه السلام فأتاه رجل من أصحابه فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدك . فقال : أنزلت في هذه الآية ، أنا الذي كنت أرفع صوتي فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم ، وأجهر له بالقول ، فحبط عملي ، وأنا من أهل النار . فأتى به الرجل فقال : إنه يقول : كذا وكذا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل هو من أهل الجنة } . قال أنس   : فكنا نراه يمشي بين أظهرنا ، ونحن نعلم أنه من أهل الجنة ، فلما كان يوم اليمامة كان في بعضنا بعض الانكشاف فأقبل ، وقد تكفن وتحنط فقال : بئس ما عودتم أقرانكم فقاتلهم حتى قتل رحمه الله   . 
 [ ص: 314 ] فأما نزول الآية الأخرى التي تلوناها في هذا الباب ، فكان فيما روي عن  عائشة  في معنى سوى ذلك المعنى الذي نزلت فيه الآية الأخرى . 
 339  - كما حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني  ، حدثني أبي  في إملاء  أبي يوسف  عليهم عن يحيى بن الحارث التيمي  ، عن حبال بن رفيدة  ، عن  مسروق بن الأجدع  قال : كنا عند  عائشة  أم المؤمنين يوم عرفة والناس يسألون يرون أنه يوم النحر . فقالت لجارية لها : أخرجي لمسروق  سويقا وحليه ، فلولا أني صائمة لذقته . فقال لها : أصمت هذا اليوم ، وهو يشك فيه ؟ فقالت : نزلت هذه الآية في مثل هذا اليوم : يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله  كان قوم يتقدمون رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصوم وفيما أشبهه ، فنهوا عن ذلك   . 
وكما حدثنا الحسن بن بكر بن عبد الرحمن أبو علي المروذي  ، حدثنا إسحاق بن منصور السلولي  ، أخبرنا جعفر الأحمر  ، عن يحيى الجابر  ، عن حبال بن رفيدة  ، عن  مسروق   : أن رجلا صام يوم الشك ،  [ ص: 315 ] فقالت له  عائشة   : لا تفعل ، فإنهم كانوا يرون أن هذه الآية نزلت فيه : لا تقدموا بين يدي الله ورسوله    . 
فدل ما ذكرنا عند تصحيح ما روينا أن كل واحدة من الآيتين اللتين تلونا كان نزولها في معنى غير المعنى الذي كان فيه نزول الآية الأخرى منهما . 
وفي حديث ابن الزبير  معنى يجب أن يوقف عليه ، وهو ما في حديث  بكار بن قتيبة  الذي روينا من قول أبي بكر  لعمر   : ما أردت إلا خلافي . ومن قول عمر  عند ذلك : ما أردت خلافك . وما في حديث  يوسف بن يزيد  ، ومحمد الأصبهاني  مكان ذلك ، فقال أبو بكر  لعمر   : ما أردت إلا خلافي . وقول عمر  له عند ذلك : ما أردت خلافك . فالذي في حديث بكار  أولى عندنا وأشبه بهما ؛ لأن ذلك سؤال من أبي بكر  لعمر   : ما الذي أراد به خلافه ، والذي في حديثي يوسف  ومحمد   : ما أردت إلا خلافي . هو على سبيل الخصومة والنكير من أبي بكر  لعمر  ، ما كان منه في ذلك ، وقد برأهما الله تعالى من الاختلاق الذي يوقع بينهما الاختلاف في هذا ، وما أشبهه ، وطهر قلوبهما ، وجعل كل واحد منهما وليا لصاحبه في الدنيا والآخرة ؛ ولأنه لا يخالف باطنها ظاهرها . 
وقد روي عن مجاهد  في تأويل قول الله تعالى : ولا تجهروا له بالقول   . 
ما قد حدثنا ابن أبي مريم  ، حدثنا  الفريابي  ، حدثنا  ورقاء  ، عن  ابن أبي نجيح  ، عن  مجاهد  في قوله : ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض   [ ص: 316 ] قال : لا تنادوا نداء لا تقولوا : يا محمد  ، ولكن قولوا قولا لينا : يا رسول الله   . 
وروي عنه أيضا في تأويل قوله تعالى : لا تقدموا بين يدي الله ورسوله   . 
ما قد حدثنا ابن أبي مريم  أيضا قال : حدثنا  الفريابي  ، حدثنا  ورقاء  ، عن  ابن أبي نجيح  ، عن  مجاهد   : لا تقدموا بين يدي الله ورسوله  قال : لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يفيضه الله على لسانه   . 
وروي عن الحسن البصري  في ذلك : 
ما حدثنا أحمد بن داود  ، حدثنا  عبيد الله بن محمد التيمي  ،  وموسى بن إسماعيل  ،  وسهل بن بكار  ، عن  حماد بن سلمة  ، عن  حميد  ، عن  الحسن  لا تقدموا بين يدي الله ورسوله  قال : لا تذبحوا حتى يذبح النبي صلى الله عليه وسلم . 
 [ ص: 317 ] قال : وقال  الكلبي   : لا تقدموا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم بقول ولا عمل   . 
فالذي رويناه في هذا الباب عن الحسن  وعن مجاهد  فيه توكيد لما ذكرنا مما يوافقه ، والله نسأله التوفيق . 

 
				
 
						 
						

 
					 
					