[ ص: 399 ] 412 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هدايا الكفار إليه من قبول منه لها ومن رد منه إياها .
2567 - حدثنا عبيد الله بن عبيد بن عمران الأردني أبو أيوب بطبرية قال : حدثنا خلف بن هشام المقرئ البزار قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أبي التياح ، عن الحسن ، عن عياض بن حمار قال : وكان حرمي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية فأهدى له هدية فردها وقال : إنا لا نقبل زبد المشركين .
[ ص: 400 ] وحدثنا عبيد الله بن عبيد قال : حدثنا خلف بن هشام قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن ابن عون قال : سألت الحسن ما زبد المشركين ؟ قال : رفدهم .
2568 - وحدثنا إبراهيم بن أبي داود قال : حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج قال : حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال : حدثنا أبو التياح قال : حدثني الحسن أن عياض بن حمار ، وكان حرمي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية ، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أتاه بناقة يهديها إليه ، فلما رآها قال : يا عياض ما هذه ؟ قال : أهديتها لك قال : قدها فقادها قال : ردها فردها قال : يا عياض هل أسلمت بعد ؟ قال : لا قال : فلم يقبلها وقال : [ ص: 401 ] إن الله حرم علينا زبد المشركين . قال : والعرب تسمي الهدية الزبد .
قال أبو عبيدة : الحرمي يكون من أهل الحرم ويكون الصديق أيضا يقال له : حرمي .
2569 - وحدثنا موسى بن الحسن بن عبد الله البغدادي المعروف بالصقلي قال : حدثنا محمد بن عباد المكي قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن بشير بن المهاجر ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال : أهدى أمير القبط لرسول الله صلى الله عليه وسلم جاريتين أختين قبطيتين وبغلة ، فأما البغلة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركبها ، وأما إحدى الجاريتين فتسراها فولدت له إبراهيم ، وأما الأخرى فأعطاها حسان بن ثابت الأنصاري .
[ ص: 402 ]
2570 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال : حدثنا عبد الله بن وهب قال : أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب قال : حدثني عبد الرحمن بن عبد القاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية يعني بكتابه معه إليه ، فقبل كتابه وأكرم حاطبا وأحسن نزله ، ثم سرحه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأهدى له مع حاطب كسوة وبغلة بسرجها وجاريتين : إحداهما أم إبراهيم ، وأما الأخرى فوهبها لجهم بن قيس العبدري ، فهي أم زكريا بن جهم الذي كان خليفة لعمرو بن العاص على مصر .
قال أبو جعفر : وإنما أدخلنا هذا الحديث في هذا الباب لأن عبد الرحمن بن عبد القاري ممن ولد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ويقال : إنه قد رآه فدخل بذلك في صحابته صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 403 ] [ ص: 404 ] فسأل سائل عن الوجه الذي به رد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عياض هديته ، وعن الوجه الذي به قبل من المقوقس هديته وكلاهما كافر .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه أن كفر عياض كان كفر شرك بالله عز وجل وجحود للبعث من بعد الموت ، وكفر المقوقس لم يكن كذلك لأنه كان مقرا بالبعث من بعد الموت ومؤمنا بنبي من أنبياء الله عز وجل وهو عيسى صلى الله عليه وسلم ، وكان عياض ومن كان على مثل ما كان عليه مطلوبين بالزوال عن ما هم عليه وبتركه إلى ضده وهو التصديق برسول الله صلى الله عليه وسلم ، والإيمان به .
وكان المقوقس ومن سواه من أهل الكتاب مطلوبين بالتصديق برسول الله صلى الله عليه وسلم ، والإيمان به ، والثبوت على ما هم عليه من دين عيسى صلى الله عليه وسلم ، وكان عياض ومن كان على مثل ما كان عليه غير مأكولة ذبائحهم ولا منكوحة نساؤهم ، وكان المقوقس ومن كان على مثل ما كان عليه مأكولة ذبائحهم ومنكوحة نساؤهم ، فكان الفريقان وإن كانوا جميعا من أهل الكفر يختلف كفرهم وتتباين أحكامهم ، وكان كل شرك بالله عز وجل كفرا ، وليس كل كفر بالله عز وجل شركا ، وكان الله عز وجل قد أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن لا يجادل أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن بقوله جل وعز : ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن .
[ ص: 405 ] فدخل في ذلك المقوقس ومن كان على مثل ما كان عليه من التمسك بالكتاب الذي أنزل على عيسى صلى الله عليه وسلم ، وكان المشركون الذين يجحدون كتب الله عز وجل التي أنزلها على أنبيائه صلوات الله عليهم بخلاف ذلك ، فقبل هدية من أمره ربه عز وجل أن لا يجادله إلا بالتي هي أحسن ؛ لأن الأحسن قبول هديته منه ، ورد هدايا المشركين ؛ لأنهم بخلاف ذلك ، ولأن ربه عز وجل أمره بمنابذتهم وبقتالهم حتى يكون الدين كله لله عز وجل ، وفصل بينهم عز وجل في كتابه فخالف بين أسمائهم وبين ما نسبهم إليه فقال : إن الذين آمنوا والذين هادوا وهم اليهود ، والصابئين وهم أمة بين اليهود والنصارى ، لهم أحكام سنأتي بها في غير هذا الموضع من كتابنا هذا إن شاء الله ، والنصارى وهم الذين منهم المقوقس ، والمجوس وهم مشركو العجم الذين لا يقرون ببعث ولا يؤمنون بكتاب من كتب الله عز وجل التي أنزلها على أنبيائه وهم في العجم كعبدة الأوثان في العرب ، إلا فيما يخالفونهم فيه من أخذ الجزية منهم لما قد ذكرناه في ذلك مما قد تقدم منا في كتابنا هذا ، والذين أشركوا وهم عبدة الأوثان من العرب الذين لا يقرون ببعث ولا يؤمنون بكتاب من كتب الله عز وجل ، وكذلك كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع من تفريقه بين هذين الفريقين في الأسماء ، وفي الأحكام .
2571 - كما قد حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا عبد الله بن وهب قال : حدثني الليث بن سعد وعبد الله بن لهيعة ، عن سليمان بن عبد الرحمن ، عن القاسم أبي عبد الرحمن ، [ ص: 406 ] عن أبي أمامة الباهلي قال : شهدت خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حجة الوداع فقال قولا كثيرا حسنا جميلا ، وكان فيها : من أسلم من أهل الكتابين فله أجره مرتين ، وله مثل الذي لنا وعليه مثل الذي علينا ، ومن أسلم من المشركين فله أجره وله مثل الذي لنا وعليه مثل الذي علينا .
فكان فيما تلونا من كتاب الله عز وجل ، وفيما روينا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد دل على تباين الفريقين اللذين ذكرنا في الكفر الذي هم عليه ، وفي منابذة أهل الشرك منهما ، وفي أن لا يجادل أهل الكتاب منهم إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم ، وفي ذلك ما قد دل على اتساع قبوله هداياهم منهم ، فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية من قبل هديته منهم لذلك ، ورد هدية من رد هديته عليه من الفريق الآخر للأسباب التي فيه مما ذكرناها في هذا الباب والله نسأله التوفيق .



