[ ص: 11 ]  219 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قوله : كل مولود يولد على الفطرة مما ينفرد به بعض رواته بأنه قال : فما يزال عليها حتى يعرب عنه لسانه فأبواه يهودانه وينصرانه ويشركانه . 
 1391  - حدثنا  يونس بن عبد الأعلى  ، قال : حدثنا  ابن وهب  ، قال : أخبرني  يونس بن يزيد  ، عن  ابن شهاب  ، أن  أبا سلمة بن عبد الرحمن  أخبره ، أن  أبا هريرة  ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما من مولود إلا يولد على الفطرة ثم يقول : اقرؤوا : فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم    } . 
 [ ص: 12 ] 
 1392  - حدثنا  الربيع بن سليمان الجيزي  ، قال : حدثنا  أسد بن موسى  ، قال : حدثنا  ابن أبي ذئب  ، عن  الزهري  ، عن  أبي سلمة  ، عن  أبي هريرة  ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كمثل البهيمة تنتج البهيمة ، هل يكون فيها جدعاء  ؟} . 
 1393  - حدثنا محمد بن خزيمة  ، قال : حدثنا  معلى بن أسد  ، قال : حدثنا عبد العزيز بن المختار  ، عن  سهيل بن أبي صالح  ، عن  أبيه  ،  [ ص: 13 ] عن  أبي هريرة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يشركانه أو يمجسانه ويكفرانه ، قيل : يا رسول الله ، الذي يموت حين يولد ؟ قال الله أعلم بما كانوا عاملين   } . قال  أبو جعفر   : فكل ما روينا من هذه فمرجعه إلى  أبي هريرة   . 
 1394  - وقد حدثنا  يزيد بن سنان  ، قال : حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق الهلالي  ، قال : حدثنا السري بن يحيى  ، عن  الحسن  ، قال : حدث الأسود بن سريع  ، وكان أول من قص في هذا المسجد ، قال : { غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع غزوات ، فتناول أصحابه الذرية بعد ما قتلوا المقاتلة ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتد ذلك عليه ، فقال : ألا ما بال أقوام قتلوا المقاتلة ثم تناولوا الذرية ؟ فقال رجل : يا رسول الله ، أليسوا أبناء المشركين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أخياركم أبناء المشركين ، أما إنه ليست تولد نسمة إلا ولدت على الفطرة ، فما يزال عليها حتى يبين عنها لسانها ، فأبواها يهودانها أو ينصرانها   . 
 [ ص: 14 ] 
 1395  - حدثنا  يونس  ، قال : أخبرنا  ابن وهب  ، قال : أخبرني السري بن يحيى  ، ثم ذكر بإسناده مثله . 
قال  أبو جعفر   : غير أنا لما تأملنا هذا الحديث وجدنا فيه قال : حدث الأسود بن سريع  ، قال : { كنا في غزاة لنا فأصبنا وقتلنا في المشركين حتى بلغ بهم القتل إلى أن يقتلوا الذرية ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما بال أقوام بلغ بهم القتل إلى أن قتلوا الذرية ، ألا لا تقتلن ذرية ، ألا لا تقتلن ذرية . قيل : لم يا رسول الله ، أليسوا أولاد المشركين ؟ قال : أوليس أخياركم أولاد المشركين   } . 
 1396  - حدثنا  إسحاق بن إبراهيم بن يونس  ، قال : حدثنا حسين بن يونس الزيات   . قال  أبو جعفر   : وهو الكوفي ، وهو مشهور ثقة ، وحدثنا  محمد بن عبد الله الأنصاري  ، قال : حدثنا  الأشعث  ، عن  الحسن  ، أن الأسود بن سريع  حدثهم { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشا ، فأفرطوا في قتل المشركين حتى تناولوا الذرية ، فقال : النبي صلى الله عليه وسلم : ما بال أقوام أفرطوا في القتل حتى تناولوا الذرية ، فقالوا : يا رسول الله ، أوليسوا أولاد المشركين ؟ فقال : النبي صلى الله عليه وسلم أوليس خياركم أولاد المشركين  ؟} .  [ ص: 15 ] فبان لنا بهذين الحديثين ، أن الحسن  حدث بما فيهما ، وبما في الحديث الذي قبلهما من حديث الأسود  ، عن الأسود  سماعا . 
 1397  - وقد حدثنا الهروي محمد بن عبد الرحيم  ، قال : حدثنا  آدم بن أبي إياس  ، قال : حدثنا  شيبان  ، عن  قتادة  ، عن  الحسن  ، عن الأسود  ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها فأبواها يهودانها وينصرانها   } . 
قال  أبو جعفر   : فتأملنا ما قيل في تأويل هذا الحديث فوجدنا علي بن عبد العزيز  قد أجاز لنا عن أبي عبيد القاسم بن سلام  ، قال : سألت محمد بن الحسن  ، عن تفسير هذا الحديث - يعني : حديث  أبي هريرة  الذي ذكرناه في أول هذا الباب - فقال : كان ذلك في أول الإسلام قبل أن تنزل الفرائض وقبل أن يؤمر المسلمون بالجهاد  . 
قال أبو عبيد   : كأنه يذهب إلى أنه لو كان يولد على الفطرة ثم مات قبل أن يهوده أبواه أو ينصرانه ما ورثاه ؛ لأنه مسلم وهما كافران ، ولما جاز مع ذلك أن يسبى ، فلما نزلت الفرائض وجرت السنن بخلاف  [ ص: 16 ] ذلك دل على أنه مولود على دينهما . 
قال أبو عبيد   : وأما  عبد الله بن المبارك  فبلغني أنه سئل عن تأويله ، فقال : تأويله الحديث الآخر { أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل ، عن أطفال المشركين ، فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين  } ، يذهب إلى أنهم يولدون على ما يصيرون إليه من إسلام أو كفر ، فمن كان في علم الله عز وجل أنه يصير مسلما ، فإنه يولد على الفطرة ، ومن كان علمه فيه أنه يصير كافرا يموت كافرا . قال أبو عبيد   : وأحد التفسيرين قريب من الآخر . 
 [ ص: 17 ] قال  أبو جعفر   : فتأملنا ما قد ذكرناه عن محمد بن الحسن  مما جنح إليه أبو عبيد  ، فوجدنا في حديث الأسود بن سريع  الذي رويناه مما قد دفع ذلك ؛ لأن محمدا  أخبر أن ذلك القول قبل أن يفترض الجهاد ، وفي حديث الأسود  ، أنه كان في غزوة من غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي الجهاد ، ثم لما اختلفوا في معنى هذا الحديث على ما قد ذكرنا ، وقالوا في تأويله ما قد وصفنا بعد جعلنا إياه كله حديثا واحدا ، وأثبتنا فيه قوله صلى الله عليه وسلم فما يزال عليها حتى يعرب عنه لسانه اعتبرنا ما جاء من ذكر الفطرة في كتاب الله عز وجل ، فوجدنا الله عز وجل قد قال في كتابه : الحمد لله فاطر السماوات والأرض  ، أي : خالق السموات والأرض ، وكذلك حدثنا ولاد النحوي  ، عن  [ ص: 18 ] المصادري  ، عن أبي عبيدة  ، وقال عز وجل فيه أيضا : وما لي لا أعبد الذي فطرني  ، أي : الذي خلقني ، وقال عز وجل : فطرت الله التي فطر الناس عليها  ، أي : ملة الله التي خلق الناس عليها ، وكذلك أيضا حدثنا ولاد النحوي  ، عن المصادري  ، عن أبي عبيدة  في أشياء من هذه المعاني . 
وكانت الفطرة فطرتين : فطرة يراد بها الخلقة التي لا تعبد معها ، وفطرة معها التعبد المستحق بفعله الثواب ، والمستوجب بتركه العقاب ، وكان قوله صلى الله عليه وسلم : { كل مولود يولد على الفطرة } ، يريد الفطرة المتعبد أهلها المثابون والمعاقبون ، فكان أهلها الذين هم كذلك ما كانوا غير بالغين ممن خلق للعبادة ، كما قال عز وجل : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون  ، وإن كانوا قبل بلوغهم مرفوعا عنهم الثواب والعقاب ، غير أنهم إذا عبرت عنهم ألسنتهم بشيء من إيمان أو من كفر كانوا من أهله ، وإن كانوا غير مثابين على محموده وغير معاقبين على مذمومه ، كما قال صلى الله عليه وسلم : { فما يزال عليها حتى يعرب عنه لسانه } ؛  [ ص: 19 ] ولذلك قبل صلى الله عليه وسلم إسلام من لم يبلغ ، وأدخله في جملة المسلمين ، وفي ذلك ما يوجب خروج من كان من المسلمين بالردة في تلك الحال من الإسلام حتى يستحق بذلك المنع من الميراث من أبويه المسلمين ، وقال صلى الله عليه وسلم : { فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يشركانه } . 
أي : بتهويدهما أو بنصرانيتهما أو بشركهما ، فيكون سبيا إن كان أبواه حربيين ، ومأخوذا بعد بلوغه عاقلا بالجزية إن كان أبواه ذميين ، فهذا عندنا تأويل ما قد رويناه والله نسأله التوفيق . 

 
				
 
						 
						

 
					 
					