الأدب الرابع : في الجواهر : بعد النظر في المحبوسين ، ومن نكر معهم ، ينظر في ترتيب الكتاب والمزكي والمترجم  ، ويكون الكاتب عدلا مرضيا ، قال  أصبغ     : ويكون مرضيا مثله أو فوقه ، لأنه يخشى تغير القضاء وتبديل الأسماء والتتميم على القاضي ، ولا يغيب له على كتاب احتياطا ، ويشترط العدد في المزكي والمترجم  دون الكتاب ، لأنه استبان حكما ، والكاتب كالآلة للحاكم وقال  أبو إسحاق     : لو ترجم له واحد جاز ، لأنه من باب الخير لا من باب الشهادة أو من باب الحكم ، والحاكم يكفي فيه واحد ، واختار  القاضي أبو الحسن     : إن كان الإقرار بالكافي في الترجمة شاهدا وامرأتين وروى  أشهب     : يترجم للقاضي رجل مسلم مؤمن واثنان أحب إلينا ، ولا يترجم كافر ولا عبد ولا مسخوط لأنه يعتمد على قول المترجم فاشترط شروط الشهادة ، ولا بأس أن يقبل ترجمة امرأة عدلة كالرواية ، وعن  مطرف  وعبد الملك     : ذلك إذا كان مما تقبل فيه شهادة النساء إذا تعذر مترجم من الرجال  قالا : وامرأتان ورجل أحب إلينا ، وأصل الكتاب : أنه _ صلى الله عليه وسلم _ كان له كتاب :   علي بن أبي طالب  ،   وزيد بن ثابت  ،   ومعاوية بن أبي سفيان    _ رضي الله عنه _ عنهم - أجمعين ، ولأن الحاكم كثير الأشغال والنظر فلا يتفرغ يكتب بيده ، ووافقنا الأئمة على السلامة وعدالته ، وقالوا : يكون فقيها فطنا فاضلا ليفرق بين مواقع الألفاظ والواجب والجائز .   [ ص: 63 ] ونزيها لئلا يستمال بالرشى وبنوع غيرها على التحامل على أحد الخصمين ، وأما المترجم عن الخصوم والشهود . فيشترط فيه ذلك واشترط ( ش ) كونه اثنين ، واكتفى ( ح ) بواحد ، ومنع العبد لأن تلايته إخبار لا شهادة ، لأنه لا يحتاج أن يقول : أشهد أنه يقول كذا ، بل يقول : هو يقول كذا ، وقياسا على المفتي ، وقاسه ( ش ) على ما إذا شهد على إقراره ، لأنه لا فرق بين عدم الفهم من القاضي وبين عدم اطلاعه ، وهو إذا لم يطلع اشترط اثنان فكذلك إذا لم يفهم . 
قاعدة : يقع في كلام الفقهاء كثيرا منشأ الخلاف : التردد بين الشهادة والخبر ، فما ضابط حقيقة الشهادة والخبر ؟ لأن التردد بينهما فرع تصورهما ، ولا يمكن أن يضبطا ، فاشترط العدد في الشهادة دون الخبر ، لأن اشتراطه فرع عن كونها شهادة فيجب أن يعلم أنها شهادة قبل اشتراط العدد ، فلو استفدناها من العدد لزم الدور ، فنبين الآن الحقيقتين فنقول : متعلق الخبر في الشرع من العدل ، حيث اعتبره الشرع في حق الغير احترازا من الدعوى ، إما أن يكون عاما أو خاصا فإن كان عاما : فهذا هو الخبر ، والرواية فإنها متعلقة بالخلق إلى يوم القيامة وهو سر عدم اشتراط العدد ، فإن اشتراطه في الشهادة إنما كان لتوقع العداوة الباطنة بين العدل وبين الشخص المعين ، فاشترط العدد استظهارا ، ولا يتهم أحد في معاداة الناس إلى قيام الساعة ، فالعموم سر عدم اشتراط العدد ، وهو ضابط الرواية ، وإن تعلق بالخصوص فهو الشهادة ، ثم تقع فروع مترددة بين العموم والخصوص ، فيختلف العلماء فيها لأجل الشائبتين . هل يلحق بالشهادة أو الخبر ؟ كالإخبار عن رؤية رمضان من جهة أنه لا يخص شخصا معينا أشبه الرواية فيقبل الواحد ، قاله ( ش ) ، ومن جهة أنه لا يتعدى هذه المسألة أشبه   [ ص: 64 ] الشهادة فيشترط العدد ، وكذلك المترجم والقائف والمقدم ، لما تقدم ، فهذا الكشف والتحقيق عزيز ، كنت أطلبه عدة من السنين حتى وجدته للإمام  المازري  في شرح البرهان في أصول الفقه فتأمله . 
فرع : 
قال  ابن يونس     : قال  مالك     : يولي حاسبا ثقة يقسم ويخبره بما صار لكل واحد  ، فيقبل قوله وحده ، لأنه حاكم أو مخبر . 
فرع 
قال : قال  عبد الملك     : يقبل قول الطبيب الكافر في العيوب في العبد أو الأمة الحاضرين  ، لأنه علم يأخذه عمن يبصره مرضي أو مسخوط واحد أو اثنان ، فإن غاب العبد أو مات ، لم يقبل إلا الشهادة بشروطها ، وكذلك يقبل في عيوب الأمة واحدة مرضية من النساء ، فإن فاتت الأمة ، لم يقبل إلا امرأتين على وجه الشهادة ، والقياس في الجراح : يكفي واحد إذا أمره الإمام ينظر ذلك ، والأحسن أن يكون عدلا ، فإن لم يجد إلا طبيبا ، جاز كما تقدم في العيوب ، وما فات لا يقبل منه إلا ما يقبل في الشهادة . 


						
						
