[ ص: 59 ] الباب الرابع في آداب القضاة    . 
وهي : خمسة عشر أدبا . 
الأدب الأول : موضع جلوسه  ، وفي الكتاب : القضاء في المسجد  من الحق والأمر القديم ، ولأنه يرضى فيه بالدون من المجلس ، وتصل إليه المرأة والضعيف ، ولا يقيم فيه الحدود ونحوها بخلاف خفيف الأدب ، وأصله : قوله تعالى ( وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب    ) وقضى النبي _ صلى الله عليه وسلم _ والخلفاء بعده فيه ، واستحبه ( ح )   وابن حنبل  وكرهه ( ش ) لما في الصحيح أن النبي _ صلى الله عليه وسلم _ قال : ( جنبوا صبيانكم مساجدكم ومجانينكم ورفع أصواتكم ، وخصوماتكم ، وحدودكم ، وسل سيوفكم ، وبيعكم وشراءكم   ) ولأن الخصومة يتبع فيها الفجور والتكاذب والسب والظلم والحائض ، والجنب يدخل إليه ، وأرباب القاذورات ، ولم يوضع المسجد لذلك . الجواب : أن العمل مخصص لهذا العموم ، وأما الحيض فيمنعن ويوكلن ، أو يأتين الحاكم في بيته . والجنب يغتسل جمعا بين الأدلة ، وفي  الترمذي     : قال _ صلى الله عليه وسلم _ : ( من ولي من أمور الناس شيئا فاحتجب دون حاجتهم احتجب الله دون حاجته وفقره وفاقته   ) والمسجد أبعد عن الحجاب وأقرب للتواضع فيستحب ، قال .   [ ص: 60 ] التونسي     : قال  مطرف  وعبد الملك     : أحسن مجالس القاضي رحبات المسجد الخارجة من غير تضييق في غيرها ، قال  مالك     : كان من أدركت من القضاة لا يجلسون إلا في الرحبات خارجا إما عند موضع الجنائز ، وإما في رحبة دار  مروان   ، وما كانت تسمى إلا رحبة القضاء ، ويستحب ذلك ليصل إليه اليهودي والحائض ، قال  اللخمي     : قال   ابن شعبان     : ومن العدل أن يكون منزل القاضي  وسط المصر ليصل الناس إليه من جميع الأطراف بغير كلفة . ويكون مجلسه مستقبل القبلة ، وفي موضع جلوسه ثلاثة أقوال ، ففي المدونة : المسجد ، وعنه : الرحاب الخارجة ، ونقل جميع ما تقدم  التونسي     . وقال  أشهب     : لا يؤمر أن يقضي في منزله ، حيث أحب ، قال  اللخمي     : والرحاب أحسن ، لأن المسجد ينزه عن الخصومات وغيرها للحديث المتقدم ، قال صاحب المنتقى : المستحب الرحاب الخارجة عن المسجد ، قال  أشهب     : يقضي حيث جماعة الناس وقال غيره : إلا أن يدخل عليه في ذلك ضرر من كثرة الناس حتى يشغله ذلك عن النظر والفهم فليكن له موضع في المسجد يحول بينه وبينهم ، واتخذ   سحنون  بيتا في المسجد يقعد فيه الناس ، ولا يقضي في طريق ممره إلا أن يعرض لمن استغاث به فيه ، فيأمر فيه وينهى من غير فصل حكم ، قاله  مطرف  وعبد الملك     . وعن  أشهب     : يقضي وهو يمشي إذا لم يشغله ذلك ، كما يقضي وهو متكئ . قال صاحب المقدمات ، ويستحب جلوسه بالرحاب الخارجة عنه ، فوافق  الباجي  ولم يحك خلافا ، وكلام  الباجي  ،  وابن رشد  هذا دليل على أنهم فهموا أن المشهور ما قالوه ، ويعضده قوله : كان ممن أدركت من القضاة لا يجلسون إلا في الرحبات . فدل أن العمل ذلك ، والعمل عنده مقدم ، وظاهر المدونة يقتضي داخل   [ ص: 61 ] المسجد لقوله لا تقام فيه الحدود ، والحدود تقام في غير المسجد  إجماعا ، في المواضع التي يدخلها الحيض واليهود    . 

 
				
 
						 
						

 
					 
					