[ ص: 229 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير    ( 3 ) ) 
قال أبو جعفر   : يقول ، تعالى ذكره : ثم فصلت آياته ، بأن لا تعبدوا إلا الله ، وبأن استغفروا ربكم . ويعني بقوله : ( وأن استغفروا ربكم   ) ، وأن اعملوا أيها الناس من الأعمال ما يرضي ربكم عنكم ، فيستر عليكم عظيم ذنوبكم التي ركبتموها بعبادتكم الأوثان والأصنام ، وإشراككم الآلهة والأنداد في عبادته . 
وقوله : ( ثم توبوا إليه   ) ، يقول : ثم ارجعوا إلى ربكم بإخلاص العبادة له دون ما سواه من سائر ما تعبدون من دونه بعد خلعكم الأنداد وبراءتكم من عبادتها . 
ولذلك قيل : ( وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه   ) ، ولم يقل : " وتوبوا إليه " ، لأن " التوبة " معناها  الرجوع إلى العمل بطاعة الله ، والاستغفار : استغفار من الشرك الذي كانوا عليه مقيمين ، والعمل لله لا يكون عملا له إلا بعد ترك الشرك به ، فأما الشرك فإن عمله لا يكون إلا للشيطان ، فلذلك أمرهم تعالى ذكره بالتوبة إليه بعد الاستغفار من الشرك ، لأن أهل الشرك كانوا يرون أنهم يطيعون الله بكثير من أفعالهم ، وهم على شركهم مقيمون . 
وقوله : ( يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى   ) ، يقول تعالى ذكره للمشركين الذين خاطبهم بهذه الآيات : استغفروا ربكم ثم توبوا إليه ، فإنكم إذا فعلتم ذلك  [ ص: 230 ] بسط عليكم من الدنيا ورزقكم من زينتها ، وأنسأ لكم في آجالكم إلى الوقت الذي قضى فيه عليكم الموت . 
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
17928 - حدثنا بشر  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد  عن قتادة  قوله : ( يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى   ) ، فأنتم في ذلك المتاع ، فخذوا بطاعة الله ومعرفة حقه ، فإن الله منعم يحب الشاكرين ، وأهل الشكر في مزيد من الله ، وذلك قضاؤه الذي قضى . 
وقوله : ( إلى أجل مسمى   ) ، يعني الموت . 
17929 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة  قال : حدثنا شبل  عن ابن أبي نجيح  عن مجاهد   : ( إلى أجل مسمى   ) ، قال : الموت . 
17930 - حدثنا بشر  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد  عن قتادة  قوله : ( إلى أجل مسمى   ) ، وهو الموت . 
17931 - حدثنا الحسن  قال أخبرنا عبد الرزاق  قال : أخبرنا معمر  عن قتادة   : ( إلى أجل مسمى   ) ، قال : الموت . 
وأما قوله : ( ويؤت كل ذي فضل فضله   ) فإنه يعني : يثيب كل من تفضل بفضل ماله أو قوته أو معروفه على غيره محتسبا بذلك ، مريدا به وجه الله ، أجزل ثوابه وفضله في الآخرة ، كما : 
17932 - حدثني محمد بن عمرو  قال : حدثنا أبو عاصم  قال : حدثنا  [ ص: 231 ] عيسى  عن ابن أبي نجيح  عن مجاهد :   ( ويؤت كل ذي فضل فضله   ) ، قال : ما احتسب به من ماله ، أو عمل بيده أو رجله ، أو كلمة ، أو ما تطوع به من أمره كله . 
17933 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة  قال : حدثنا شبل  عن ابن أبي نجيح  عن مجاهد  قال 
17934 - . . . . وحدثنا إسحاق  قال : حدثنا عبد الله  عن ورقاء  عن ابن أبي نجيح  عن مجاهد  ، بنحوه إلا أنه قال : أو عمل بيديه أو رجليه وكلامه ، وما تطول به من أمره كله . 
17935 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثني حجاج  عن  ابن جريج  عن مجاهد  بنحوه إلا أنه قال : وما نطق به من أمره كله . 
17936 - حدثنا بشر  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد  عن قتادة   : ( ويؤت كل ذي فضل فضله   ) ، أي : في الآخرة . 
وقد روي عن ابن مسعود  أنه كان يقول في تأويل ذلك ما : 
17937 - حدثت به عن المسيب بن شريك  عن أبي بكر  عن سعيد بن جبير  عن ابن مسعود  في قوله : ( ويؤت كل ذي فضل فضله   ) ، قال : من عمل سيئة كتبت عليه سيئة ، ومن عمل حسنة كتبت له عشر حسنات . فإن عوقب بالسيئة التي كان عملها في الدنيا بقيت له عشر حسنات . وإن لم يعاقب بها في الدنيا أخذ من الحسنات العشر واحدة ، وبقيت له تسع حسنات . ثم يقول : هلك من غلب آحاده أعشاره . 
وقوله : ( وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير   ) ، يقول ، تعالى ذكره : وإن أعرضوا عما دعوتهم إليه ، من إخلاص العبادة لله ، وترك عبادة  [ ص: 232 ] الآلهة ، وامتنعوا من الاستغفار لله والتوبة إليه  ، فأدبروا مولين عن ذلك ، ( فإني ) أيها القوم ، ( أخاف عليكم عذاب يوم كبير   ) ، شأنه ، عظيم هوله ، وذلك يوم تجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون . 
وقال جل ثناؤه : ( وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير   ) ، ولكنه مما قد تقدمه قول ، والعرب إذا قدمت قبل الكلام قولا خاطبت ، ثم عادت إلى الخبر عن الغائب ، ثم رجعت بعد إلى الخطاب ، وقد بينا ذلك في غير موضع ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . 


						
						
