القراءة عن ظهر قلب 
إنما أفرد  البخاري  في هذه الترجمة حديث أبي حازم  عن سهل بن سعد   - الحديث الذي تقدم الآن - وفيه أنه ، عليه السلام ، قال لرجل : فما معك من القرآن ؟ . قال : معي سورة كذا وكذا ، لسور عددها . قال : أتقرؤهن عن ظهر قلبك ؟ . قال : نعم . قال : اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن  . 
وهذه الترجمة من  البخاري  ، رحمه الله ، مشعرة بأن قراءة القرآن عن ظهر قلب أفضل  ، والله أعلم . ولكن الذي صرح به كثيرون من العلماء أن قراءة القرآن من المصحف أفضل ؛ لأنه يشتمل على التلاوة والنظر في المصحف وهو عبادة ، كما صرح به غير واحد من السلف ، وكرهوا أن يمضي على الرجل يوم لا ينظر في مصحفه ، واستدلوا على فضيلة التلاوة في المصحف بما رواه الإمام العلم  [ ص: 69 ] أبو عبيد  في كتاب فضائل القرآن حيث قال : 
حدثنا نعيم بن حماد  ، عن بقية بن الوليد  ، عن معاوية بن يحيى  ، عن سليم بن مسلم  ، عن عبد الله بن عبد الرحمن  ، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : فضل قراءة القرآن نظرا على من يقرؤه ظهرا ، كفضل الفريضة على النافلة وهذا الإسناد ضعيف فإن معاوية بن يحيى هو الصدفي أو الأطرابلسي  ، وأيهما كان فهو ضعيف . 
وقال الثوري  عن عاصم  ، عن زر  ، عن ابن مسعود  قال : أديموا النظر في المصحف  . 
وقال حماد بن سلمة  ، عن علي بن زيد  ، عن يوسف بن ماهك  ، عن ابن عباس  ، عن عمر   : أنه كان إذا دخل بيته نشر المصحف فقرأ فيه . 
وقال حماد  أيضا : عن ثابت  ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى  ، عن ابن مسعود   : أنه كان إذا اجتمع إليه إخوانه نشروا المصحف ، فقرءوا ، وفسر لهم  . إسناد صحيح . 
وقال حماد بن سلمة   : عن  حجاج بن أرطاة  ، عن ثوير بن أبي فاختة  ، عن ابن عمر  قال : إذا رجع أحدكم من سوقه فلينشر المصحف وليقرأ  . وقال الأعمش  عن  خيثمة   : دخلت على ابن عمر  وهو يقرأ في المصحف فقال : هذا جزئي الذي أقرأ به الليلة . 
فهذه الآثار تدل على أن هذا أمر مطلوب لئلا يعطل المصحف فلا يقرأ منه ، ولعله قد يقع لبعض الحفظة نسيان فيتذكر منه ، أو تحريف كلمة أو آية أو تقديم أو تأخير ، فالاستثبات أولى ، والرجوع إلى المصحف أثبت من أفواه الرجال ، فأما تلقين القرآن فمن فم الملقن أحسن ؛ لأن الكتابة لا تدل على كمال الأداء ، كما أن المشاهد من كثير ممن يحفظ من الكتابة فقط يكثر تصحيفه وغلطه ، وإذا أدى الحال إلى هذا منع منه إذا وجد شيخا يوقفه على لفظ القرآن ، فأما عند العجز عمن يلقن فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، فيجوز عند الضرورة ما لا يجوز عند الرفاهية ، فإذا قرأ في المصحف - والحالة هذه - فلا حرج عليه ، ولو فرض أنه قد يحرف بعض الكلمات عن لفظها على لغته ولفظه ، فقد قال الإمام أبو عبيد   : 
حدثني هشام بن إسماعيل الدمشقي  ، عن محمد بن شعيب  ، عن الأوزاعي  ؛ أن رجلا صحبهم في سفر قال : فحدثنا حديثا ما أعلمه إلا رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :إن العبد إذا قرأ فحرف أو أخطأ  كتبه الملك كما أنزل  .  [ ص: 70 ] 
وحدثنا  حفص بن غياث  ، عن الشيباني  عن بكير بن الأخنس  قال : كان يقال : إذا قرأ الأعجمي والذي لا يقيم القرآن كتبه الملك كما أنزل . وقال بعض العلماء : المدار في هذه المسألة على الخشوع في القراءة ، فإن كان الخشوع عند القراءة على ظهر القلب فهو أفضل ، وإن كان عند النظر في المصحف فهو أفضل فإن استويا فالقراءة نظرا أولى ؛ لأنها أثبت ، وتمتاز بالنظر في المصحف قال الشيخ أبو زكريا النووي   - رحمه الله - في التبيان : والظاهر أن كلام السلف وفعلهم محمول على هذا التفصيل . 
تنبيه : 
إن كان  البخاري  ، رحمه الله ، أراد بذكر حديث سهل  للدلالة على أن تلاوة القرآن عن ظهر قلب أفضل منها في المصحف ، ففيه نظر ؛ لأنها قضية عين ، فيحتمل أن ذلك الرجل كان لا يحسن الكتابة ويعلم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ، فلا يدل على أن التلاوة عن ظهر قلب أفضل مطلقا في حق من يحسن ومن لا يحسن ، إذ لو دل هذا لكان ذكر حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلاوته عن ظهر قلب - لأنه أمي لا يدري الكتابة - أولى من ذكر هذا الحديث بمفرده . 
الثاني : أن سياق الحديث إنما هو لأجل استثبات أنه يحفظ تلك السور عن ظهر قلب ؛ ليمكنه تعليمها لزوجته ، وليس المراد هاهنا : أن هذا أفضل من التلاوة نظرا ، ولا عدمه ، والله سبحانه وتعالى أعلم . 

 
				
 
						 
						

 
					 
					