الآية الثانية قوله تعالى : { وآتوا اليتامى أموالهم  ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا    } فيها ست مسائل : 
المسألة الأولى : قوله تعالى : { وآتوا    } معناه وأعطوا ، أي مكنوهم منها ، واجعلوها في أيديهم ، وذلك لوجهين : أحدهما : إجراء الطعام والكسوة ; إذ لا يمكن إلا ذلك لمن لا يستحق الأخذ الكلي والاستبداد . الثاني رفع اليد عنها بالكلية ، وذلك عند الابتلاء والإرشاد . 
المسألة الثانية : قوله اليتامى : وهو عند العرب  اسم لكل من لا أب له من الآدميين حتى يبلغ الحلم ، فإذا بلغه خرج عن هذا الاسم ، وصار في جملة الرجال . وحقيقة اليتم  الانفراد ; فإن رشد عند البلوغ واستقل بنفسه في النظر لها ، والمعرفة بمصالحها ، والنظر بوجود الأخذ والإعطاء منها زال عنه اسم اليتم ومعناه من الحجر ، وإن بلغ الحلم وهو مستمر في غرارته وسفهه  متماد على جهالته زال عنه اسم اليتم حقيقة ، وبقي عليه حكم الحجر ، وتمادى عليه الاسم مجازا لبقاء الحكم عليه .  [ ص: 403 ] 
المسألة الثالثة : قوله تعالى : { ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب    } كانوا في الجاهلية لعدم الدين لا يتحرجون عن أموال اليتامى ، فيأخذون أموال اليتامى ويبدلونها بأموالهم ، ويقولون : اسم باسم ورأس برأس ، مثل أن يكون لليتيم مائة شاة جياد فيبدلونها بمائة شاة هزلى لهم ، ويقولون : مائة بمائة ; فنهاهم الله عنها . 
المسألة الرابعة : قوله تعالى : { ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم    } قال علماؤنا : معنى تأكلوا تجمعوا وتضموا أموالهم إلى أموالكم ، ولأجل ذلك قال بعض الناس : معناه مع أموالكم . والمعنى الذي يسلم معه اللفظ ما قلنا : نهوا أن يعتقدوا أن أموال اليتامى كأموالهم ويتسلطون عليها بالأكل والانتفاع . 
المسألة الخامسة : روي أن هذه الآية لما نزلت اعتزل كل ولي يتيمه ، وأزال ملكه عن ملكه حتى آلت الحال أن يصنع لليتيم معاشه فيأكله ، فإن بقي له شيء فسد ولم يقربه أحد ، فعاد ذلك بالضرر عليهم ، فأرخص الله سبحانه في المخالطة قصدا للإصلاح ، ونزلت هذه : { ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم    } 
المسألة السادسة : إن كان المعنى بالآية الإنفاق فذلك يكون ما دامت الولاية ، ويكون اسم اليتم حقيقة كما قدمناه . وإن كان الإيتاء هو التمكين وإسلام المال إليه فذلك عند الرشد ، ويكون تسميته يتيما مجازا ; المعنى الذي كان يتيما . وقال  أبو حنيفة    : إذا بلغ خمسا وعشرين سنة أعطي ماله على أي حال كان . وهذا باطل ; فإن الآية المطلقة مردودة إلى المقيدة عندنا . 
والمعنى الجامع بينهما أن العلة التي لأجلها منع اليتيم من ماله هي خوف التلف عليه بغرارته وسفهه ; فما دامت العلة مستمرة لا يرتفع الحكم ، وإذا زالت العلة زال الحكم  [ ص: 404 ] وهذا هو المعني بقوله سبحانه : { فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم    } وقد بينا وجوب حمل المطلق على المقيد ، وتحقيقه في أصول الفقه والمسائل ، وهبكم أنا لا نحمل المطلق على المقيد فالحكم بخمس وعشرين سنة لا وجه له ، لا سيما  وأبو حنيفة  يرى المقدرات لا تثبت قياسا ، وإنما تؤخذ من جهة النص ، وليس في هذه المسألة نص ولا قول من جميع وجوهه ، ولا يشهد له المعنى . 

 
				
 
						 
						

 
					 
					