الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
//
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      [ ص: 63 ] مقدمة المؤلف

                                                                                                                                                                                      بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله المتفضل على خلقه بكثرة الأفضال والنعم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، المنفرد بالبقاء والقدم ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صاحب اللواء والعطاء الخضم صلى الله عليه وعلى آله أولي الفضائل والحكم ، وسلم تسليما كثيرا .

                                                                                                                                                                                      ( أما بعد ) فهذا كتاب في الفقه على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني رضي الله عنه اجتهدت في اختصاره وتحريره ، ليكون نافعا وكافيا للطالب ، وجردته عن دليله وتعليله : غالبا ، ليسهل حفظه وفهمه على الراغب ، وأقدم غالبا الراجح في المذهب ، فإن اختلف الترجيح أطلقت الخلاف ، " وعلى الأصح " أي أصح الروايتين ، و " في الأصح " أي أصح الوجهين ، وإذا قلت : وعنه كذا ، أو وقيل : كذا فالمقدم خلافه . وإذا قلت : ويتوجه ، أو يقوى ، أو عن قول ، أو رواية : وهو ، أو هي أظهر ، أو أشهر ، أو متجه ، أو غريب ، أو بعد حكم مسألة : فدل ، أو هذا يدل ، أو ظاهره ، أو يؤيده ، أو المراد كذا ، فهو من عندي . وإذا قلت : المنصوص ، أو الأصح ، أو الأشهر ، أو المذهب كذا ، فثم قول .

                                                                                                                                                                                      [ ص: 64 ] وأشير إلى ذكر الوفاق والخلاف ، فعلامة ما أجمع عليه ( ع ) وما وافقنا عليه الأئمة الثلاثة [ رحمهم الله تعالى ] أو كان الأصح في مذهبهم ( و ) وخلافهم ( خ ) وعلامة خلاف أبي حنيفة ( هـ ) ومالك ( م ) فإن كان لأحدهما روايتان فبعد علامته ( ر ) وللشافعي ( ش ) ولقوليه ( ق ) وعلامة وفاق أحدهم ذلك ، وقبله ( و ) .

                                                                                                                                                                                      وإذا أحلت حكم مسألة على مسألة أخرى فالمراد عندنا ، وإذا نقل عن الإمام في مسألة قولان ; فإن أمكن الجمع وفي الأصح ولو بحمل عام على خاص ، ومطلق على مقيد فهما مذهبه ، وإن تعذر وعلم التاريخ فقيل : الثاني مذهبه ، وقيل : الأول ( م 1 ) وقيل ولو رجع عنه . وإن جهل ; [ ص: 65 ] فمذهبه أقربهما من الأدلة ، أو قواعده .

                                                                                                                                                                                      ويخص عام كلامه بخاصة في مسألة واحدة في الأصح ; والمقيس على كلامه مذهبه في الأشهر . فإن أفتى في مسألتين متشابهتين بحكمين مختلفين في وقتين قال بعضهم : وبعد الزمن ; ففي جواز النقل والتخريج ولا مانع وجهان ( م 2 ) وقوله : [ ص: 66 ] لا ينبغي ، أو لا يصلح . أو استقبحه ، أو هو قبيح ، أو لا أراه للتحريم . وقد ذكروا أنه يستحب فراق غير العفيفة ، واحتجوا بقول أحمد : لا ينبغي أن يمسكها . وسأله أبو طالب : يصلى إلى القبر ، والحمام ، والحش ، قال لا ينبغي أن يكون ، لا يصلى إليه قلت فإن كان ؟ قال : يجزئه . ونقل أبو طالب فيمن قرأ في الأربع كلها بالحمد وسورة : لا ينبغي أن يفعل .

                                                                                                                                                                                      وقال في رواية الحسين بن حسان في الإمام يقصر في [ ص: 67 ] الأول ، ويطول في الأخيرة : لا ينبغي هذا قال القاضي : كره ذلك لمخالفة السنة ، فدل على خلاف . وفي " أكره " أو لا " يعجبني " أو " لا أحبه " أو " لا أستحسنه " أو " يفعل السائل كذا احتياطا " وجهان ( م 3 ) و " أحب كذا " أو " يعجبني " أو " أعجب إلي " للندب ، [ ص: 68 ] وقيل للوجوب ، وقيل : وكذا " هذا أحسن أو حسن " . وقوله : أخشى ، أو أخاف أن يكون ، أو ألا : كيجوز ، أو لا يجوز ، وقيل : وقف . وإن أجاب عن شيء ثم قال عن غيره : هذا أهون ، أو أشد ، أو أشنع فقيل : هما سواء ; وقيل بالفرق وأجبن عنه ( م 4 ) وأجبنا عنه : مذهبه كقوة كلام لم يعارضه أقوى . وقيل يكره ، وقول أحد صحبه في تفسير مذهبه ، وإخباره عن رأيه ، ومفهوم كلامه ، وفعله : مذهبه في الأصح كإجابته في شيء بدليل ، والأشهر : أو قول صحابي .

                                                                                                                                                                                      [ ص: 69 ] وفي إجابته بقول : ففيه وجهان ( م 5 ) وما انفرد به واحد وقوى دليله ، أو صحح الإمام خبرا ، أو حسنه ، أو دونه ولم يرده : ففي كونه مذهبه وجهان ( م 6 ، 7 ) فلهذا أذكر روايته للخبر وإن كان في الصحيحين .

                                                                                                                                                                                      [ ص: 70 ] وإن ذكر قولين وفرع على أحدهما فقيل : هو مذهبه ، كتحسينه إياه ، أو تعليله ، وقيل : لا ( م 8 ) وإلا فمذهبه أقربهما من الدليل ، وقيل : لا ، ولو قال بعد جوابه : ولو قال قائل ، أو ذهب ذاهب يريد خلافه ; فليس مذهبا . وفيه احتمال كقوله : يحتمل قولين . وقد أجاب أحمد فيما إذا سافر بعد دخول الوقت : هل يقصر  ؟ وفي غير موضع بمثل هذا ، وأثبته القاضي ، وغيره روايتين . وفي كون سكوته رجوعا وجهان ( م 9 ) وما علله بعلة توجد في مسائل فمذهبه فيها كالمعللة ، [ ص: 71 ] وقيل : لا . ويلحق ما توقف فيه بما يشبهه ، هل هو بالأخف ، أو الأثقل ، أو التخيير ؟ يحتمل أوجها ( م 10 ) والله أسأل النفع به ، وإصلاح القول والعمل ، إنه قريب مجيب ، وبالإجابة جدير ، وحسبنا الله ونعم الوكيل

                                                                                                                                                                                      [ ص: 63 - 64 ]

                                                                                                                                                                                      التالي السابق



                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية