تنبيهان  
الأول : الأكثر أن  يراعى في التعدية ما ضمن منه ، وهو المحذوف لا المذكور ؛   كقوله تعالى :  الرفث إلى نسائكم      ( البقرة : 187 ) أي : الإفضاء .  
وقوله :  عينا يشرب بها عباد الله      ( الإنسان : 6 ) أي : يروى بها ، وغيره مما سبق .  
 [ ص: 406 ] ولم أجد  مراعاة الملفوظ به   إلا في موضعين :  
أحدهما : قوله تعالى :  يقال له إبراهيم      ( الأنبياء : 60 ) على قول  ابن الضائع  أنه ضمن " يقال " معنى " ينادى " و "  إبراهيم      " نائب عن الفاعل ؛ وأورد على نفسه : كيف عدي باللام ، والنداء لا يتعدى به ؟ وأجاب بأنه روعي الملفوظ به وهو القول ؛ لأنه يقال : قلت له .  
الثاني : قوله :  وحرمنا عليه المراضع من قبل      ( القصص : 12 ) فإنه قد يقال : كيف يتعلق التكليف بالمرضع ؟ فأجيب بأنه ضمن " حرم " المعنى اللغوي ، وهو المنع ، فاعترض : كيف عدي بـ " على " والمنع لا يتعدى به ؟ فأجيب بأنه روعي صورة اللفظ .  
الثاني : أن  التضمين   يطلق على غير ما سبق ؛ قال  القاضي أبو بكر  في كتاب " إعجاز القرآن " : هو حصول معنى فيه من غير ذكر له باسم أو صفة هي عبارة عنه ، ثم قسمه إلى قسمين : أحدهما : ما يفهم من البنية ، كقولك : معلوم ، فإنه يوجب أنه لا بد من عالم . والثاني : من معنى العبارة كالصفة ، فضارب يدل على مضروب . قال : والتضمين كله إيجاز .  
قال : وذكر أن  بسم الله الرحمن الرحيم ( الفاتحة : 1 ) من باب التضمين ؛   لأنه تضمن تعليم الاستفتاح في الأمور باسمه على جهة التعظيم لله تعالى ، أو التبرك باسمه " .  
وذكر  ابن الأثير  في كتاب " المعاني المبتدعة " أن  التضمين واقع في القرآن   خلافا لما أجمع عليه أهل البيان ، وجعل منه قوله تعالى في الصافات :  لو أن عندنا ذكرا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين      ( الصافات : 168 - 169 ) .  
ويطلق التضمين أيضا على إدراج كلام الغير في أثناء الكلام   لتأكيد المعنى ، أو لترتيب النظم ، ويسمى الإبداع ، كإبداع الله تعالى في حكايات أقوال المخلوقين ؛ كقوله تعالى      [ ص: 407 ] حكاية عن قول الملائكة :  قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء      ( البقرة : 30 ) .  
ومثل ما حكاه عن المنافقين :  قالوا إنما نحن مصلحون      ( البقرة : 11 ) .  
وقوله :  قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء      ( البقرة : 13 ) .  
وقالت اليهود ( البقرة : 113 ) .  
ومثله : وقالت النصارى ( البقرة : 113 ) ومثله في القرآن كثير .  
وكذلك ما أودع في القرآن من اللغات الأعجمية .  
ويقرب  من التضمين في إيقاع فعل موقع آخر إيقاع الظن موقع اليقين في الأمور المحققة ؛   كقوله تعالى :  الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم      ( البقرة : 46 ) .  
الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة      ( البقرة : 249 ) .  
ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها      ( الكهف : 53 ) .  
وظن داود أنما فتناه      ( ص : 24 ) .  
وظنوا ما لهم من محيص      ( فصلت : 48 ) .  
وشرط  ابن عطية  في ذلك ألا يكون متعلقه حسيا ، كما تقول العرب في رجل يرى حاضرا : أظن هذا إنسانا ، وإنما يستعمل ذلك فيما لم يخرج إلى الحس بعد ، كالآيات السابقة .  
قال  الراغب  في " الذريعة " : " الظن إصابة المطلوب بضرب من الإمارة متردد بين يقين وشك ، فيقرب تارة من طرف اليقين ، وتارة من طرف الشك ، فصار أهل اللغة يفسرونه بهما ؛ فمتى رئي إلى طرف اليقين أقرب استعمل معه " أن " المثقلة والمخففة فيهما ، كقوله      [ ص: 408 ] تعالى :  الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم      ( البقرة : 46 )  وظنوا أنه واقع بهم      ( الأعراف : 171 ) ومتى رئي إلى الشك أقرب استعمل معه " أن " التي للمعدومين من الفعل ، نحو : ظننت أن يخرج .  
قال : وإنما  استعمل الظن بمعنى العلم في قوله :  الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم       ( البقرة : 46 ) لأمرين :  
أحدهما : للتنبيه على أن علم أكثر الناس في الدنيا بالنسبة إلى علمهم في الآخرة كالظن في جنب العلم .  
والثاني : أن العلم الحقيقي في الدنيا لا يكاد يحصل إلا للنبيين والصديقين المعنيين بقوله :  الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا      ( الحجرات : 15 ) والظن متى كان عن أمارة قوية فإنه يمدح به ، ومتى كان عن تخمين لم يمدح به ، كما قال تعالى :  إن بعض الظن إثم      ( الحجرات : 12 ) .  
وجوز  أبو الفتح  في قوله :  ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم      ( المطففين : 4 ، 5 ) أن يكون المراد بها اليقين ، وأن تكون على بابها ، وهو أقوى في المعنى ، أي : فقد يمنع من هذا التوهم ، فكيف عند تحقيق الأمر ؟ فهذا أبلغ . كقوله : " يكفيك من شر سماعه " أي : لو توهم البعث والنشور ، وما هناك من عظم الأمر وشدته لاجتنب المعاصي ، فكيف عند تحقق الأمر ! وهذا أبلغ .  
وقيل : آيتا البقرة بمعنى الاعتقاد ، والباقي بمعنى اليقين ، والفرق بينهما أن الاعتقاد يقبل التشكيك بخلاف اليقين ، وإن اشتركا جميعا في وجوب الجزم بهما .  
وكذلك قوله :  إني ظننت أني ملاق حسابيه      ( الحاقة : 20 ) .  
وقد جاء عكسه وهو  التجوز عن الظن بالعلم ،   كقوله تعالى :  وما شهدنا إلا بما علمنا      ( يوسف : 81 ) ولم يكن ذلك علما جازما بل اعتقادا ظنيا .  
 [ ص: 409 ] وقوله :  ولا تقف ما ليس لك به علم      ( الإسراء : 36 ) وكان يحكم بالظن وبالظاهر .  
وقوله :  فإن علمتموهن مؤمنات      ( الممتحنة : 10 ) وإنما يحصل بالامتحان في الحكم ،  ووجه التجوز   أن بين الظن والعلم قدرا مشتركا وهو الرجحان ، فتجوز بأحدهما عن الآخر .  


						
						
