قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية  لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين  قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون    . 
استئناف ابتدائي . ولما كان هذا الكلام تهديدا وافتتح بالاستفهام التقريري تعين أن المقصود بضمائر الخطاب المشركون دون المسلمين . وأصرح من ذلك قوله ثم أنتم تشركون    . 
وإعادة الأمر بالقول للاهتمام ، كما تقدم بيانه عند قوله تعالى قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة  الآية . 
والاستفهام مستعمل في التقرير والإلجاء ، لكون ذلك لا ينازعون فيه بحسب عقائد الشرك . 
والظلمات قيل على حقيقتها ، فيتعين تقدير مضاف ، أي من إضرار ظلمات البر والبحر ، فظلمات البر ظلمة الليل التي يلتبس فيها الطريق للسائر والتي يخشى فيها العدو   [ ص: 281 ] للسائر وللقاطن ، أي ما يحصل في ظلمات البر من الآفات . وظلمات البحر يخشى فيها الغرق والضلال والعدو . وقيل : أطلقت الظلمات مجازا على المخاوف الحاصلة في البر والبحر ، كما يقال : يوم مظلم إذا حصلت فيه شدائد . ومن أمثال العرب ( رأى الكواكب مظهرا ) ، أي أظلم عليه يومه إظلاما في عينيه لما لاقاه من الشدائد حتى صار كأنه ليل يرى فيه الكواكب . والجمع على الوجهين روعي فيه تعدد أنواع ما يعرض من الظلمات ، على أننا قدمنا في أول السورة أن الجمع في لفظ الظلمات جرى على قانون الفصاحة . 
وجملة تدعونه حال من الضمير المنصوب في ينجيكم . 
وقرئ من ينجيكم  بالتشديد لنافع  ، وابن كثير ،  وابن عامر ،  وأبي عمرو ،  وعاصم ،  وحمزة ،   والكسائي ،  وأبي جعفر ،  وخلف    . وقرأه يعقوب  بالتخفيف . 
والتضرع : التذلل ، كما تقدم في قوله لعلهم يتضرعون  في هذه السورة . وهو منصوب على الحال مؤولا باسم الفاعل . والخفية بضم الخاء وكسرها ضد الجهر . وقرأه الجمهور بضم الخاء . وقرأه أبو بكر  عن عاصم  بكسر الخاء وهو لغة مثل أسوة وإسوة . وعطف خفية على تضرعا إما عطف الحال على الحال كما تعطف الأوصاف فيكون مصدرا مؤولا باسم الفاعل ، وإما أن يكون عطف المفعول المطلق على الحال على أنه مبين لنوع الدعاء ، أي تدعونه في الظلمات مخفين أصواتكم خشية انتباه العدو من الناس أو الوحوش . 
وجملة لئن أنجيتنا  في محل نصب بقول محذوف ، أي قائلين . وحذف القول كثير في القرآن إذا دلت عليه قرينة الكلام . واللام في لئن الموطئة للقسم ، واللام في لتكونن لام جواب القسم . وجيء بضمير الجمع إما لأن المقصود حكاية اجتماعهم على الدعاء بحيث يدعو كل واحد عن نفسه وعن رفاقه . وإما أريد التعبير عن الجمع باعتبار التوزيع مثل : ركب القوم خيلهم ، وإنما ركب كل واحد فرسا . 
 [ ص: 282 ] وقرأ الجمهور أنجيتنا بمثناة تحتية بعد الجيم ومثناة فوقية بعد التحتية . وقرأه عاصم ،  وحمزة ،   والكسائي  وخلف    ( أنجانا ) بألف بعد الجيم والضمير عائد إلى من في قوله قل من ينجيكم    . 
والإشارة بـ هذه إلى الظلمة المشاهدة للمتكلم باعتبار ما ينشأ عنها ، أو باعتبار المعنى المجازي وهو الشدة ، أو إلى حالة يعبر عنها بلفظ مؤنث مثل الشدة أو الورطة أو الربقة . 
والشاكر هو الذي يراعي نعمة المنعم فيحسن معاملته كلما وجد لذلك سبيلا . وقد كان العرب يرون الشكر حقا عظيما ويعيرون من يكفر النعمة . 
وقولهم من الشاكرين أبلغ من أن يقال : لنكونن شاكرين ، كما تقدم عند قوله تعالى قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين    . 
وجملة قل الله ينجيكم منها  تلقين لجواب الاستفهام من قوله من ينجيكم  أن يجيب عن المسئولين ، ولذلك فصلت جملة قل لأنها جارية مجرى القول في المحاورة ، كما تقدم في هذه السورة . وتولى الجواب عنهم لأن هذا الجواب لا يسعهم إلا الاعتراف به . 
وقدم المسند إليه على الخبر الفعلي لإفادة الاختصاص ، أي الله ينجيكم لا غيره ، ولأجل ذلك صرح بالفعل المستفهم عنه . ولولا هذا لاقتصر على قل الله . والضمير في منها للظلمات أو للحادثة . 
وزاد ومن كل كرب  لإفادة التعميم ، وأن الاقتصار على ظلمات البر والبحر بالمعنيين لمجرد المثال . 
وقرأ نافع ،  وابن كثير ،  وأبو عمرو ،  وهشام  عن ابن عامر ،  ويعقوب  ينجيكم بسكون النون وتخفيف الجيم على أنه من أنجاه ، فتكون الآية جمعت بين الاستعمالين . وهذا من التفنن لتجنب الإعادة . ونظيره فمهل الكافرين أمهلهم    .   [ ص: 283 ] وقرأه ابن ذكوان  عن ابن عامر ،  وأبو جعفر ،  وخلف ،  وعاصم ،  وحمزة ،   والكسائي    ( ينجيكم ) بالتشديد مثل الأولى . 
وثم من قوله ثم أنتم تشركون  للترتيب الرتبي لأن المقصود أن إشراكهم مع اعترافهم بأنهم لا يلجأون إلا إلى الله في الشدائد أمر عجيب ، فليس المقصود المهلة . 
وتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي لمجرد الاهتمام بخبر إسناد الشرك إليهم ، أي أنتم الذين تتضرعون إلى الله باعترافكم تشركون به من قبل ومن بعد ، من باب ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم  ، ومن باب : لو غيرك قالها ، ولو ذات سوار لطمتني . 
وجيء بالمسند فعلا مضارعا لإفادة تجدد شركهم وأن ذلك التجدد والدوام عليه أعجب . 
والمعنى أن الله أنجاكم فوعدتم أن تكونوا من الشاكرين فإذا أنتم تشركون . وبين الشاكرين وتشركون الجناس المحرف . 

 
				
 
						 
						

 
					 
					