هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا  ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون    . 
استئناف رابع بعد استئناف جملة هو الحي  وما تفرع عليها ، وكلها ناشئ بعضه عن بعض . وهذا الامتنان بنعمة الإيجاد وهو نعمة لأن الموجود شرف والمعدوم لا عناية به . 
وأدمج فيه الاستدلال على الإبداع . 
وتقدم الكلام على أطوار خلق الإنسان  في سورة الحج ، وتقدم الكلام على بعضه في سورة فاطر . 
والطفل : اسم يصدق على الواحد والاثنين والجمع ، للمذكر والمؤنث قال تعالى أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء  وقد يطابق فيقال : طفل وطفلان وأطفال . 
واللامات في قوله ثم لتبلغوا أشدكم  وما عطف عليه بـ ثم متعلقات بمحذوف تقديره : ثم يبقيكم ، أو ثم ينشئكم لتبلغوا أشدكم ، وهي لامات   [ ص: 198 ] التعليل مستعملة في معنى إلى لأن الغاية المقدرة من الله تشبه العلة فيما يفضي إليها ، وتقدم نظيره في سورة الحج . 
وقوله ولتبلغوا أجلا مسمى  عطف على لتكونوا شيوخا  أي للشيخوخة غاية وهي الأجل المسمى أي الموت فلا طور بعد الشيخوخة . وأما الأجل المقدر للذين يهلكون قبل أن يبلغوا الشيخوخة فقد استفيد من قوله ومنكم من يتوفى من قبل  أن من قبل بعض هذه الأطوار ، أي يتوفى قبل أن يخرج طفلا وهو السقط أو قبل أن يبلغ الأشد ، أو يتوفى قبل أن يكون شيخا . 
ولتعلقه بما يليه خاصة عطف عليه بالواو ولم يعطف بـ ثم كما عطفت المجرورات الأخرى ، والمعنى : أن الله قدر انقراض الأجيال وخلقها بأجيال أخرى ، فالحي غايته الفناء وإن طالت حياته ، ولما خلقه على حالة تئول إلى الفناء لا محالة كان عالما بأن من جملة الغايات في ذلك الخلق أن يبلغوا أجلا . 
وبني قبل على الضم على نية معنى المضاف إليه ، أي من قبل ما ذكر . والأشد : القوة في البدن ، وهو ما بين ثمان عشرة إلى الثلاثين وتقدم في سورة يوسف . 
وشيوخ : جمع شيخ ، وهو من بلغ سن الخمسين إلى الثمانين ، وتقدم عند قوله تعالى وهذا بعلي شيخا  في سورة هود . 
ويجوز في شيوخ ضم الشين . وبه قرأ نافع  ، وأبو عمر  ، وحفص  عن عاصم  ، وأبو جعفر  ، ويعقوب  ، وخلف    . ويجوز كسر الشين وبه قرأ ابن كثير  وحمزة ،  ،  والكسائي    . 
وقوله ولعلكم تعقلون  عطف على ولتبلغوا أجلا مسمى  أي أن من جملة ما أراده الله من خلق الإنسان على الحالة المبينة ، أن تكون في تلك الخلقة دلالة لآحاده على وجود هذا الخالق الخلق البديع ، وعلى انفراده بالإلهية ، وعلى أن ما عداه لا يستحق وصف الإلهية ، فمن عقل ذلك من الناس فقد اهتدى إلى ما أريد منه ومن لم يعقل ذلك فهو بمنزلة عديم العقل . ولأجل هذه النكتة لم يؤت   [ ص: 199 ] لفعل تعقلون بمفعول ولا بمجرور لأنه نزل منزلة اللازم ، أي رجاء أن يكون لكم عقول فهو مراد لله من ذلك الخلق فمن حكمته أن جعل الخلق العجيب علة لأمور كثيرة    . 

 
				
 
						 
						

 
					 
					