وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم  والله عليم حكيم  الضمير في " يريدوا " عائد إلى من في أيديكم من الأسرى . وهذا كلام خاطب به الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - اطمئنانا لنفسه ، وليبلغ مضمونه إلى الأسرى ، ليعلموا أنهم لا يغلبون الله ورسوله . وفيه تقرير للمنة على المسلمين التي أفادها قوله : فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا  ، فكمل ذلك الإذن والتطييب بالتهنئة والطمأنة بأن ضمن لهم ، إن خانهم الأسرى بعد رجوعهم إلى قومهم ونكثوا عهدهم وعادوا إلى القتال ، بأن الله يمكن المسلمين منهم مرة أخرى ، كما أمكنهم منهم في هذه المرة ، أي : أن ينووا من العهد بعدم العود إلى الغزو خيانتك ، وإنما وعدوا بذلك لينجوا من القتل والرق ، فلا يضركم ذلك لأن الله ينصركم عليهم ثاني مرة . والخيانة نقض العهد وما في معنى العهد كالأمانة . 
 [ ص: 82 ] فالعهد ، الذي أعطوه ، هو العهد بأن لا يعودوا إلى قتال المسلمين ، وهذه عادة معروفة في أسرى الحرب إذا أطلقوهم فمن الأسرى من يخون العهد ويرجع إلى قتال من أطلقوه . 
وخيانتهم الله ، التي ذكرت في الآية ، يجوز أن يراد بها الشرك ؛ فإنه خيانة للعهد الفطري الذي أخذه الله على بني آدم  فيما حكاه بقوله : وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم  الآية . فإن ذلك استقر في الفطرة ، وما من نفس إلا وهي تشعر به ، ولكنها تغالبها ضلالات العادات واتباع الكبراء من أهل الشرك كما تقدم . 
وأن يراد بها العهد المجمل المحكي في قوله : دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما  ويجوز أن يراد بالعهد ما نكثوا من التزامهم للنبيء - صلى الله عليه وسلم - حين دعاهم إلى الإسلام من تصديقه إذا جاءهم ببينة ، فلما تحداهم بالقرآن كفروا به وكابروا . 
وجواب الشرط محذوف دل عليه قوله : فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم    . وتقديره : فلا تضرك خيانتهم ، أو لا تهتم بها ، فإنهم إن فعلوا أعادهم الله إلى يدك كما أمكنك منهم من قبل . 
قوله : فأمكن منهم  سكت معظم التفاسير وكتب اللغة عن تبيين حقيقة هذا التركيب وبيان اشتقاقه وألم به بعضهم إلماما خفيفا بأن فسروا أمكن بـ " أقدر " فهل هو مشتق من المكان أو من الإمكان بمعنى الاستطاعة أو من المكانة بمعنى الظفر . ووقع في الأساس : أمكنني الأمر ، معناه : أمكنني من نفسه وفي المصباح : مكنته من الشيء تمكينا وأمكنته : جعلت له عليه قدرة . 
والذي أفهمه من تصاريف كلامهم أن هذا الفعل مشتق من المكان وأن الهمزة فيه للجعل وأن معنى أمكنه من كذا : جعل له منه مكانا أي مقرا وأن المكان مجاز أو كناية عن كونه في تصرفه كما يكون المكان مجالا للكائن فيه . 
 [ ص: 83 ] و ( من ) التي يتعدى بها فعل " أمكن " اتصالية مثل التي في قولهم : لست منك ولست مني . فقوله - تعالى : فأمكن منهم  حذف مفعوله لدلالة السياق عليه ، أي أمكنك منهم يوم بدر  ، أي لم ينفلتوا منك . 
والمعنى أنه أتاكم بهم إلى بدر على غير ترقب منكم فسلطكم عليهم . 
والله عليم حكيم تذييل ، أي عليم بما في قلوبهم حكيم في معاملتهم على حسب ما يعلم منهم . 

 
				
 
						 
						

 
					 
					