[ ص: 213 ] 
سنة خمسين من الهجرة 
في هذه السنة توفي  أبو موسى الأشعري   ، في قول ، والصحيح أنه مات سنة ثنتين وخمسين كما سيأتي . وفيها حج بالناس معاوية   ، وقيل : ابنه يزيد    . وكان نائب المدينة  في هذه السنة سعيد بن العاص  ، وعلى الكوفة  والبصرة  والمشرق  وسجستان  وفارس  والسند  والهند  زياد    . 
وفي هذه السنة استعدى بنو نهشل  على  الفرزدق  زيادا  ، فهرب  الفرزدق  منه إلى المدينة  ، وكان سبب ذلك أنه عرض بمعاوية  في قصيدة له ، فطلبه زياد  أشد الطلب ففر منه إلى المدينة  ، فاستجار بسعيد بن العاص  ، ومدحه بأشعار فأجاره ، ولم يزل  الفرزدق  يتردد فيما بين مكة  والمدينة  حتى توفي زياد  ، فرجع إلى بلاده ، وقد طول ابن جرير  هذه القصة . 
وقد ذكر ابن جرير  في هذه السنة من الحوادث ما رواه من طريق الواقدي    : حدثني يحيى بن سعيد بن دينار  ، عن أبيه ، أن معاوية  كان قد عزم على تحويل المنبر النبوي  من المدينة  إلى دمشق  ، وأن يأخذ العصا التي كان   [ ص: 214 ] النبي صلى الله عليه وسلم يمسكها في يده إذا خطب ، فيقف على المنبر وهو ممسكها ، فقال له  أبو هريرة   وجابر بن عبد الله    : يا أمير المؤمنين ، نذكرك الله أن تفعل هذا ، فإن هذا لا يصلح أن تخرج المنبر من موضع وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن تخرج عصاه من المدينة    . فترك ذلك معاوية  ، ولكن زاد في المنبر ست درجات ، واعتذر إلى الناس . 
ثم روى الواقدي    : أن  عبد الملك بن مروان  في أيام خلافته هم بذلك وعزم عليه فقيل له : إن معاوية  كان قد عزم على هذا ثم تركه ، وإنه لما حرك المنبر ، كسفت الشمس ; فترك ذلك . ثم لما حج  الوليد بن عبد الملك  أراد ذلك أيضا ، فقيل له : إن معاوية  وأباك أرادا ذلك ثم تركاه . وكان السبب في تركه أن  سعيد بن المسيب  كلم عمر بن عبد العزيز  أن يكلمه في ذلك ويعظه ، فترك . ثم لما حج سليمان  أخبره عمر بن عبد العزيز  بما كان عزم عليه الوليد  ، وأن  سعيد بن المسيب  نهاه عن ذلك ، فقال : ما أحب أن يذكر هذا عن عبد الملك  ولا عن الوليد  ، وما يكون لنا أن نفعل هذا ، مالنا ولهذا ، وقد أخذنا الدنيا فهي في أيدينا فنريد أن نعمد إلى علم من أعلام الإسلام يوفد إليه ، فنحمله إلى ما قبلنا ، هذا ما لا يصلح . رحمه الله . 
 [ ص: 215 ] وفي هذه السنة عزل معاوية  عن مصر  معاوية بن حديج  وولى عليها وإفريقية مسلمة بن مخلد   
وفيها افتتح عقبة بن نافع الفهري  عن أمر معاوية  ، بلاد إفريقية  ، واختط القيروان    - وكان مكانها غيضة تأوي إليها السباع والوحوش والحيات العظام - فدعا الله تعالى ، فلم يبق فيها شيء من ذلك حتى إن السباع صارت تخرج منها تحمل أولادها ، والحيات يخرجن من أجحارهن هوارب ، فعند ذلك أسلم خلق كثير من البربر    . 
وفي هذه السنة غزا بسر بن أبي أرطاة  وسفيان بن عوف  أرض الروم  ، وفيها غزا فضالة بن عبيد  البحر . 
 وفيها توفي مدلاج بن عمرو السلمي  ، صحابي جليل ، شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ،  ولم أر له ذكرا في الصحابة . 
وذكر  أبو الفرج بن الجوزي  في كتابه " المنتظم " ، أن في هذه السنة توفي جبير بن مطعم  ،  وحسان بن ثابت  ،  والحكم بن عمرو الغفاري  ،   [ ص: 216 ]  ودحية بن خليفة الكلبي  ،  وعقيل بن أبي طالب  ،  وعمرو بن أمية الضمري  ،  وكعب بن مالك  ،  والمغيرة بن شعبة  ،  وجويرية بنت الحارث  ،  وصفية بنت حيي  ،  وأم شريك الأنصارية    . رضي الله عنهم أجمعين . 
أما جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف  القرشي النوفلي أبو محمد ، وقيل : أبو عدي المدني  ، فإنه قدم وهو مشرك في فداء أسارى بدر  فلما سمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سورة " الطور " : أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون    [ الطور : 35 ] . دخل في قلبه الإسلام ، ثم أسلم عام خيبر  وقيل : زمن الفتح . والأول أصح ، وكان من سادات قريش  وأعلمها بالأنساب ، أخذ ذلك عن الصديق ، والمشهور أنه توفي سنة ثمان وخمسين ، وقيل : سنة تسع وخمسين ، كما سيأتي . 
وأما حسان بن ثابت  
شاعر الإسلام ، فالصحيح أنه توفي سنة أربع وخمسين ، كما سيأتي . 
وأما الحكم بن عمرو بن مجدع الغفاري  ، أخو رافع بن عمرو   [ ص: 217 ] الغفاري  ، ويقال له : الحكم بن الأقرع    . فصحابي جليل ، له عند  البخاري  حديث واحد في النهي عن لحوم الحمر الإنسية ، وقد استنابه  زياد بن أبيه  على غزو جبل الأشل ، فغنم شيئا كثيرا من الذهب والفضة وغير ذلك ، فجاءه كتاب زياد  عن أمر معاوية  أن يصطفي الذهب والفضة من الغنيمة لبيت المال ، فرد عليه الحكم    : إن كتاب الله أولى أن يتبع من كتاب معاوية  ، وقد سبق كتاب الله كتاب معاوية  ، وقد قال عليه الصلاة والسلام :   " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " . ثم نادى في الناس أن اغدوا على غنائمكم ، فقسمها في الناس ولم يترك إلا الخمس ، فيقال : إنه حبس إلى أن مات بمرو في هذه السنة . وقيل : في سنة إحدى وخمسين . رحمه الله . 
وأما  دحية بن خليفة الكلبي  
فصحابي جليل ، كان جميل الصورة ، فلهذا كان جبريل  يأتي على صورته كثيرا . وأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر . أسلم قديما ، ولكن لم يشهد بدرا  ، وشهد ما بعدها ، ثم شهد اليرموك  وأقام بالمزة  غربي دمشق  إلى أن مات في خلافة معاوية    . 
وفيها توفي  عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس القرشي أبو سعيد العبشمي  ، أسلم يوم الفتح ، وقيل : شهد مؤته ، وغزا   [ ص: 218 ] خراسان  وفتح سجستان  وكابل  وغيرها ، وكانت له دار بدمشق  ، وأقام بالبصرة  ، وقيل : بمرو    . 
وقال محمد بن سعد  وغير واحد : مات بالبصرة  سنة خمسين . وقيل : سنة إحدى وخمسين . وصلى عليه زياد  ، وترك عدة من الذكور ، وكان اسمه في الجاهلية عبد كلال ، وقيل : عبد كلوب . وقيل : عبد الكعبة    . فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن  ، وكان أحد السفيرين بين معاوية  والحسن  ، رضي الله عنهما . وقد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :   " يا عبد الرحمن بن سمرة  لا تسأل الإمارة ; فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها ، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها " . 
وفيها توفي عثمان بن أبي العاص الثقفي ، أبو عبد الله الطائفي  ، له ولأخيه الحكم صحبة ، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف  ، فاستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف  ، وأمره عليها أبو بكر  وعمر  ، فكان أميرهم وإمامهم مدة طويلة حتى مات سنة خمسين . وقيل : سنة إحدى وخمسين . رضي الله عنه . 
وأما عقيل بن أبي طالب  
أخو علي  ، فكان أكبر من جعفر  بعشر سنين ، وجعفر  أكبر من علي  بعشر سنين ، كما أن طالبا  أكبر من عقيل  بعشر سنين ، وكلهم أسلم إلا طالبا  ، أسلم عقيل  قبل الحديبية  ، وشهد مؤتة  ، وكان من أنسب قريش  ، وكان قد ورث أقاربه الذين هاجروا وتركوا أموالهم وديارهم بمكة  ،   [ ص: 219 ] ومات في خلافة معاوية    . 
وأما  عمرو بن أمية الضمري  
فصحابي جليل أسلم بعد أحد  ، وأول مشاهده بئر معونة  ، وكان ساعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعثه إلى النجاشي  في تزويج أم حبيبة  ، وأن يأتي بمن بقي من المسلمين هناك ، وله أفعال حسنة ، وآثار محمودة ، رضي الله عنه ، توفي في خلافة معاوية    . وكان لا يلحق ولا يسبق بالخيل . 
وفيها كانت وفاة عمرو بن الحمق بن الكاهن الخزاعي ، أسلم قبل الفتح وهاجر ، وقيل : إنه إنما أسلم عام حجة الوداع . وقد ورد في حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا له أن يمتعه الله بشبابه ; فبقي ثمانين سنة لا يرى في لحيته شعرة بيضاء ، ومع هذا كان أحد الأربعة الذين دخلوا على عثمان  ، ثم صار بعد ذلك من شيعة علي  ، فشهد معه الجمل وصفين ، وكان من جملة الذين قاموا مع حجر بن عدي  ، فتطلبه زياد  ، فهرب إلى الموصل  ، فبعث معاوية  إلى نائبها ، فطلبوه فوجدوه قد اختفى في غار فنهشته حية ، فمات فقطع رأسه ، فبعث به إلى معاوية  ، فطيف به في الشام  وغيرها ، فكان أول رأس طيف به ، ثم بعث معاوية  برأسه إلى زوجته آمنة بنت الشريد    - وكانت في سجنه - فألقي في حجرها ، فوضعت كفها على جبينه ولثمت فمه ، وقالت : غيبتموه عني طويلا ، ثم أهديتموه إلي قتيلا ، فأهلا بها من هدية غير قالية ولا مقلية .   [ ص: 220 ] 
وأما كعب بن مالك الأنصاري السلمي  
شاعر الإسلام ، فإنه أسلم قديما ، وشهد العقبة ، ولم يشهد بدرا  ، كما ثبت في " الصحيحين " في سياق توبة الله عليه ، فإنه كان أحد الثلاثة الذين تيب عليهم من تخلفهم عن غزوة تبوك  ، كما ذكرنا ذلك مفصلا في " التفسير " ، وكما تقدم في غزوة تبوك  ، وغلط ابن الكلبي  في قوله : إنه شهد بدرا    . وفي قوله : إنه توفي قبل الأربعين . فإن الواقدي    - وهو أعلم منه - قال : توفي سنة خمسين . وقال الهيثم بن عدي    : سنة إحدى وخمسين . رضي الله عنه . 
وأما  المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود ، أبو عيسى ، ويقال : أبو عبد الله . الثقفي    . وعروة بن مسعود الثقفي  عم أبيه ، كان المغيرة  من دهاة العرب ، وذوي آرائها ، أسلم عام الخندق بعد ما قتل ثلاثة عشر رجلا من ثقيف  مرجعهم من عند المقوقس  ، وأخذ أموالهم ، فغرم دياتهم عروة بن مسعود  ، وشهد الحديبية  ، وكان واقفا يوم الصلح على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف صلتا ،   [ ص: 221 ] وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إسلام أهل الطائف  هو  وأبو سفيان بن حرب  ، فهدما اللات ، وقد قدمنا كيفية ذلك ، وبعثه الصديق  إلى البحرين  ، وشهد اليمامة  واليرموك ، فأصيبت عينه يومئذ ، وقيل : بل نظر إلى الشمس وهي كاسفة ، فذهب ضوء عينه . وشهد القادسية  ، وولاه عمر  فتوحا كثيرة ، منها همذان  وميسان  ، وهو الذي كان رسول سعد  إلى رستم  ، فكلمه بذلك الكلام البليغ ، فاستنابه عمر  على البصرة  فلما شهد عليه بالزنا ولم يثبت عليه ، عزله عنها ، وولاه الكوفة  ، واستمر به عثمان  حينا ، ثم عزله ، فبقي معزولا حتى كان أمر الحكمين ، فلحق بمعاوية  ، فلما قتل علي  وصالح الحسن  معاوية  ودخل الكوفة  ، ولاه معاوية  عليها ، فلم يزل أميرها حتى مات في هذه السنة على المشهور . قاله محمد بن سعد  وغيره . 
وقال الخطيب    : أجمع الناس على ذلك ، وذلك في رمضان منها ، عن سبعين سنة . 
وقال أبو عبيد    : مات سنة تسع وأربعين . 
وقال  ابن عبد البر    : سنة إحدى وخمسين . وقيل : سنة ثمان وخمسين .   [ ص: 222 ] وقيل : سنة ست وثلاثين . وهو غلط . 
قال محمد بن سعد    : وكان المغيرة  أصهب الشعر جدا ، أكشف ، مقلص الشفتين ، أهتم ، ضخم الهامة ، عبل الذراعين ، بعيد ما بين المنكبين ، وكان يفرق رأسه أربعة قرون . 
وقال الشعبي    : القضاة أربعة    ; عمر  ، وعلي  ،  وابن مسعود  ، وأبو موسى  ، والدهاة أربعة ;  معاوية  ،  وعمرو بن العاص  ، والمغيرة  ، وزياد    . 
وقال الزهري    : الدهاة في الفتنة خمسة ; معاوية  ،  وعمرو بن العاص  ،  والمغيرة بن شعبة  ، وكان معتزلا ،  وقيس بن سعد بن عبادة  ، وعبد الله بن بديل بن ورقاء  ، وكانا مع علي    . 
قلت : والشيعة يقولون : الأشياخ خمسة    ; رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلي  ، وفاطمة  ، والحسن  ، والحسين  ، والأضداد خمسة    ; أبو بكر  ، وعمر  ، ومعاوية  ،  وعمرو بن العاص  ،  والمغيرة بن شعبة    . 
 [ ص: 223 ] وقال الشعبي    : سمعت المغيرة  يقول : ما غلبني أحد إلا فتى مرة  ، أردت أن أتزوج امرأة فاستشرته فيها ، فقال : أيها الأمير ، لا أرى لك أن تتزوجها . فقلت له : لم ؟ فقال : إني رأيت رجلا يقبلها . ثم بلغني عنه أنه قد تزوجها ، فقلت له : ألم تزعم أنك رأيت رجلا يقبلها ؟ فقال : نعم رأيت أباها يقبلها وهي صغيرة . 
وقال أيضا : سمعت قبيصة بن جابر  يقول : صحبت المغيرة بن شعبة  ، فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلا بمكر لخرج المغيرة من أبوابها كلها . 
وقال ابن وهب  سمعت مالكا يقول : كان المغيرة بن شعبة  يقول : صاحب المرأة الواحدة يحيض معها ويمرض معها ، وصاحب المرأتين بين نارين تشتعلان . وكان يتزوج أربعة معا ويطلقهن معا ، وقال  عبد الله بن نافع الصائغ    : أحصن المغيرة  ثلاثمائة امرأة . وقال غيره : ألف امرأة . وقيل : مائة امرأة . وقيل : ثمانين امرأة . فالله أعلم . 
وأما  جويرية بنت الحارث  بن أبي ضرار الخزاعية المصطلقية  
أم   [ ص: 224 ] المؤمنين ، فسباها رسول صلى الله عليه وسلم في غزوة المريسيع    ; وهي غزوة بني المصطلق  ، وكان أبوها ملكهم فأسلمت ، فأعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها ، وكانت قد وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس  وكاتبها فأتت رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها فقال : أو خير من ذلك ؟ " قالت : وما هو يا رسول الله ؟ قال : " أشتريك وأعتقك وأتزوجك " فأعتقها فقال الناس : أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأعتقوا ما بأيديهم من سبي بني المصطلق  ، وكانوا نحوا من مائة أهل بيت . فقالت عائشة    : لا أعلم امرأة أعظم بركة على أهلها منها . وكان اسمها برة  ، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية    . وكانت امرأة ملاحة - أي حلوة الكلام - توفيت في هذا العام سنة خمسين ، كما ذكره  ابن الجوزي  وغيره عن خمس وستين سنة ، وقال الواقدي    : سنة ست وخمسين . رضي الله عنها وأرضاها . والله أعلم . 
وأما صفية بنت حيي بن أخطب   
بن سعية بن ثعلبة بن عبيد بن كعب بن الخزرج بن أبي حبيب بن النضير بن النحام بن ينحوم ، أم المؤمنين   [ ص: 225 ] النضرية ، فمن سلالة هارون أخي موسى  ، عليهما السلام ، وكانت مع أبيها وعمها جدي بن أخطب  بالمدينة  ، فلما أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير  ساروا إلى خيبر  وقتل أبوها مع بني قريظة  صبرا ، كما قدمنا ذلك ، فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر  كانت في جملة السبي ، فوقعت في سهم  دحية بن خليفة الكلبي  ، فذكر لرسول الله صلى عليه وسلم جمالها وأنها بنت ملكهم ، فاصطفاها لنفسه وعوض دحية  عنها ، وأسلمت فأعتقها وتزوجها ، فلما حلت بالصهباء  بنى بها ، وكانت ماشطتها أم سليم  ، وقد كانت تحت ابن عم لها ، يقال له : كنانة بن أبي الحقيق    . فقتل في المعركة ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بخدها لطمة ، فقال : " ما هذه ؟ " فقالت : إني رأيت كأن القمر أقبل من يثرب  ، فسقط في حجري ، فقصصت المنام على ابن عمي ، فلطمني وقال : تتمنين أن يتزوجك ملك يثرب  ؟ فهذه من لطمته . وكانت من سيدات النساء عبادة وورعا وزهادة وبرا وصدقة ، رضي الله عنها وأرضاها . قال الواقدي    : توفيت سنة خمسين . وقال غيره : سنة ست وثلاثين . والأول أصح . 
وأما أم شريك الأنصارية   
ويقال : العامرية ، فهي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقيل ، قبلها . وقيل : لم يقبلها . ولم تتزوج حتى ماتت ; ترجو بذلك أن تكون من أزواجه ، وهي التي سقيت بدلو من السماء لما منعها   [ ص: 226 ] المشركون الماء ، فأسلموا عند ذلك ، واسمها غزية ، وقيل : عزيلة . بنت دودان بن عمرو بن عامر بن رواحة بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي  ، أسلمت قديما ماتت في هذه السنة على الصحيح ، قال  ابن الجوزي    : ماتت سنة خمسين ، ولم أره لغيره . 


						
						
