[ ص: 24 ] فصل في الآيات والأحاديث المنذرة بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،  وكيف ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرضه الذي مات فيه 
قال الله تعالى إنك ميت وإنهم ميتون  ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون    [ الزمر : 30 ، 31 ] . وقال تعالى : وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون  كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون    [ الأنبياء 34 ، 35 ] . وقال تعالى : كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور    [ آل عمران : 185 ] . وقال تعالى وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين    [ آل عمران : 144 ] وهذه الآية هي التي تلاها الصديق  يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما سمعها الناس كأنهم لم يسمعوها قبل ذلك . وقال تعالى :   [ ص: 25 ] إذا جاء نصر الله والفتح  ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا   فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا  قال عمر بن الخطاب   وابن عباس    : هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم نعي إليه . 
وقال ابن عمر    : نزلت أوسط أيام التشريق في حجة الوداع ، فعرف رسول الله أنه الوداع ، فخطب الناس خطبة أمرهم فيها ونهاهم . الخطبة المشهورة كما تقدم . 
وقال جابر    : رأيت رسول الله يرمي الجمار ، فوقف وقال " لتأخذوا عني مناسككم ، فلعلي لا أحج بعد عامي هذا    "   . 
وقال عليه الصلاة والسلام لابنته فاطمة ،  كما سيأتي " إن جبريل  كان يعارضني بالقرآن في كل سنة مرة ، وإنه عارضني العام مرتين ، وما أرى ذلك إلا لاقتراب أجلي "   . 
وفي " صحيح  البخاري    " من حديث  أبي بكر بن عياش ،  عن أبي حصين ،  عن أبي صالح ،  عن  أبي هريرة  قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل شهر رمضان عشرة أيام ، فلما كان من العام الذي توفي فيه اعتكف عشرين يوما ، وكان يعرض عليه القرآن كل رمضان مرة ، فلما كان العام الذي توفي فيه عرض عليه القرآن مرتين   . 
وقال محمد بن إسحاق    : رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع في ذي   [ ص: 26 ] الحجة ، فأقام بالمدينة بقيته والمحرم وصفرا ، وبعث أسامة بن زيد ،  فبينا الناس على ذلك ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بشكوه الذي قبضه الله فيه إلى ما أراده الله من رحمته وكرامته ، في ليال بقين من صفر أو في أول شهر ربيع الأول ، فكان أول ما ابتدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ، فيما ذكر لي ، أنه خرج إلى بقيع الغرقد  من جوف الليل ، فاستغفر لهم ، ثم رجع إلى أهله ، فلما أصبح ابتدئ بوجعه من يومه ذلك   . 
قال ابن إسحاق  وحدثني عبد الله بن عمر ،  عن عبيد بن جبير مولى الحكم ،  عن  عبد الله بن عمرو بن العاص ،  عن أبي مويهبة مولى رسول الله  صلى الله عليه وسلم قال : بعثني رسول الله من جوف الليل ، فقال : " يا أبا مويهبة ،  إني قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع  فانطلق معي " . فانطلقت معه ، فلما وقف بين أظهرهم قال : " السلام عليكم يا أهل المقابر ، ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها ، الآخرة شر من الأولى " . ثم أقبل علي فقال " يا أبا مويهبة ،  إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة ، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة " . قال : قلت : بأبي أنت وأمي فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة . قال : " لا والله يا أبا مويهبة  لقد اخترت لقاء ربي والجنة " . ثم استغفر لأهل البقيع  ثم انصرف ، فبدئ برسول الله وجعه الذي قبضه الله فيه   . لم يخرجه أحد من أصحاب   [ ص: 27 ] الكتب ، وإنما رواه أحمد ،  عن يعقوب بن إبراهيم ،  عن أبيه ، عن محمد بن إسحاق  به . 
وقال الإمام أحمد    : ثنا أبو النضر ،  ثنا الحكم بن فضيل ،  ثنا يعلى بن عطاء ،  عن عبيد بن جبير ،  عن أبي مويهبة  قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي على أهل البقيع  فصلى عليهم ثلاث مرات ، فلما كانت الليلة الثالثة قال : يا أبا مويهبة  أسرج لي دابتي قال : فركب ومشيت ، حتى انتهى إليهم ، فنزل عن دابته ، وأمسكت الدابة فوقف - أو قال : قام - عليهم ، فقال : ليهنكم ما أنتم فيه مما فيه الناس ، أتت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضا ، الآخرة أشد من الأولى ، فليهنكم ما أنتم فيه مما فيه الناس ) ثم رجع فقال : يا أبا مويهبة ،  إني أعطيت - أو قال : خيرت بين - مفاتيح ما يفتح على أمتي من بعدي والجنة أو لقاء ربي " . قال : فقلت بأبي أنت وأمي فاخترنا . قال : " لأن ترد على عقبها ما شاء الله ، فاخترت لقاء ربي " فما لبث بعد ذلك إلا سبعا أو ثمانيا حتى قبض   . 
 [ ص: 28 ] وقال عبد الرزاق ،  عن معمر ،  عن ابن طاوس ،  عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( نصرت بالرعب ، وأعطيت الخزائن ، وخيرت بين أن أبقى حتى أرى ما يفتح على أمتي وبين التعجيل ، فاخترت التعجيل   " قال  البيهقي    : وهذا مرسل ، وهو شاهد لحديث أبي مويهبة    . 
قال ابن إسحاق  وحدثني يعقوب بن عتبة ،  عن الزهري ،  عن  عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ،  عن عائشة  قالت : رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من البقيع  فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي ، وأنا أقول : وارأساه . فقال : بل أنا والله يا عائشة  وارأساه ) قالت : ثم قال : وما ضرك لو مت قبلي فقمت عليك وكفنتك ، وصليت عليك ودفنتك قالت : قلت : والله لكأني بك لو قد فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك . قالت : فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتتام به وجعه وهو يدور على نسائه ، حتى استعز به في بيت ميمونة ،  فدعا نساءه ، فاستأذنهن أن يمرض في بيتي فأذن له . قالت : فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين رجلين من أهله ; أحدهما  الفضل بن عباس  ورجل آخر ، عاصبا رأسه ، تخط قدماه ، حتى دخل بيتي . قال عبيد الله    : فحدثت به ابن عباس ،  فقال : أتدري من الرجل الآخر ؟ هو علي بن أبي طالب  وهذا الحديث له شواهد ستأتي قريبا . 
 [ ص: 29 ] وقال  البيهقي    : أنبأنا  الحاكم ،  أنبأنا الأصم ،  أنبأنا أحمد بن عبد الجبار ،  عن  يونس بن بكير ،  عن محمد بن إسحاق ،  حدثني يعقوب بن عتبة ،  عن الزهري ،  عن عبيد الله بن عبد الله ،  عن عائشة  قالت : دخل علي رسول الله وهو يصدع ، وأنا أشتكي رأسي ، فقلت : وارأساه . فقال : " بل أنا والله يا عائشة  وارأساه " . ثم قال : " وما عليك لو مت قبلي فوليت أمرك ، وصليت عليك وواريتك " فقلت : والله إني لأحسب لو كان ذلك لقد خلوت ببعض نسائك في بيتي من آخر النهار . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم تمادى به وجعه فاستعز به وهو يدور على نسائه ، في بيت ميمونة ،  فاجتمع إليه أهله ، فقال العباس    : إنا لنرى برسول الله ذات الجنب ، فهلموا فلنلده . فلدوه ، فأفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من فعل هذا ؟ فقالوا : عمك العباس  تخوف أن يكون بك ذات الجنب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنها من الشيطان ، وما كان الله ليسلطه علي ، لا يبقى في البيت أحد إلا لددتموه إلا عمي العباس    " فلد أهل البيت كلهم حتى ميمونة  وإنها لصائمة ، وذلك بعين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي ، فأذن له . فخرج وهو بين العباس  ورجل آخر لم تسمه ، تخط قدماه بالأرض . قال عبيد الله    : قال ابن عباس    : الرجل الآخر علي بن أبي طالب  
وقال  البخاري    : حدثنا سعيد بن عفير ،  ثنا الليث ،  حدثني عقيل ،  عن ابن   [ ص: 30 ] شهاب ،  أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ،  أن عائشة  زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : لما ثقل رسول الله واشتد به وجعه ، استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي ، فأذن له ، فخرج وهو بين الرجلين تخط رجلاه الأرض بين  عباس بن عبد المطلب  وبين رجل آخر . قال عبيد الله    : فأخبرت عبد الله    - يعني ابن عباس    - بالذي قالت عائشة ،  فقال لي  عبد الله بن عباس    : هل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة ؟  قال : قلت : لا . قال ابن عباس    : هو علي    . فكانت عائشة  زوج النبي صلى الله عليه وسلم تحدث أن رسول الله لما دخل بيتي واشتد به وجعه ، قال : " هريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن ، لعلي أعهد إلى الناس " فأجلسناه في مخضب  لحفصة  زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب ، حتى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتن . قالت عائشة    : ثم خرج إلى الناس فصلى لهم وخطبهم . وقد رواه  البخاري  أيضا في مواضع أخر من " صحيحه " ومسلم  من طرق ، عن الزهري  به . 
وقال  البخاري    : حدثنا إسماعيل ،  ثنا  سليمان بن بلال ،  قال  هشام بن عروة    : أخبرني أبي ، عن عائشة ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه أين أنا غدا أين أنا غدا ؟ يريد يوم عائشة ،  فأذن له أزواجه أن يكون حيث شاء ، فكان في بيت عائشة  حتى مات عندها . قالت عائشة ،  رضي الله عنها : فمات في اليوم الذي كان يدور علي فيه في بيتي ، وقبضه الله وإن   [ ص: 31 ] رأسه لبين سحري ونحري ، وخالط ريقه ريقي . قالت : ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر  ومعه سواك يستن به . فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت له : أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن ،  فأعطانيه فقضمته ، ثم مضغته فأعطيته رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستن به وهو مستند إلى صدري   . انفرد به  البخاري  من هذا الوجه 
وقال  البخاري    : ثنا عبد الله بن يوسف ،  ثنا الليث ،  حدثني ابن الهاد ،  عن عبد الرحمن بن القاسم ،  عن أبيه ، عن عائشة  قالت : مات النبي صلى الله عليه وسلم وإنه لبين حاقنتي وذاقنتي ، فلا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد النبي صلى الله عليه وسلم   . 
وقال  البخاري    : حدثنا حبان ،  أنبأنا عبد الله ،  أنبأنا يونس ،  عن ابن شهاب  قال : أخبرني عروة  أن عائشة  أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات ، ومسح عنه بيده ، فلما اشتكى وجعه الذي توفي فيه طفقت أنفث عليه بالمعوذات التي كان ينفث ، وأمسح بيد النبي صلى الله عليه وسلم عنه   . ورواه مسلم  من حديث ابن وهب ،  عن  يونس بن يزيد الأيلي  عن الزهري  به . 
 [ ص: 32 ] وثبت في " الصحيحين " من حديث أبي عوانة ،  عن فراس ،  عن الشعبي  ، عن مسروق ،  عن عائشة  قالت : اجتمع نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده لم يغادر منهن امرأة ، فجاءت فاطمة  تمشي ، ما تخطئ مشيتها مشية أبيها  ، فقال : " مرحبا بابنتي " فأقعدها عن يمينه أو شماله ، ثم سارها بشيء فبكت ، ثم سارها فضحكت  ، فقلت لها : خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسرار وأنت تبكين ؟ ! فلما أن قام قلت لها : أخبريني ما سارك ؟ فقالت : ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما توفي قلت لها : أسألك بما لي عليك من الحق لما أخبرتني . قالت : أما الآن فنعم . قالت : سارني في الأولى ، قال لي إن جبريل  كان يعارضني بالقرآن في كل سنة مرة وإنه عارضني في هذا العام مرتين ولا أرى ذلك إلا لاقتراب أجلي فاتقي الله واصبري ، فنعم السلف أنا لك " فبكيت ، ثم سارني فقال " أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين ؟    " أو " سيدة نساء هذه الأمة ؟ " فضحكت . وله طرق عن عائشة    . 
وقد روى  البخاري  عن علي بن عبد الله   والفلاس   ومسدد ،  ومسلم  عن محمد بن حاتم ،  كلهم عن  يحيى بن سعيد القطان ،  عن  سفيان الثوري ،  عن موسى بن أبي عائشة ،   عن عبيد الله بن عبد الله ،  عن عائشة  قالت : لددنا   [ ص: 33 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه ، فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني . فقلنا : كراهية المريض للدواء . فلما أفاق قال ألم أنهكم أن لا تلدوني ؟ ! قلنا : كراهية المريض للدواء . فقال " لا يبقى أحد في البيت إلا لد - وأنا أنظر - إلا العباس ;  فإنه لم يشهدكم " قال  البخاري    : ورواه ابن أبي الزناد ،  عن هشام ،  عن أبيه ، عن عائشة ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم . 
وقال  البخاري    : وقال يونس ،  عن الزهري ،  قال عروة    : قالت عائشة    : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه : " يا عائشة  ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر ،  فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم " هكذا ذكره  البخاري  معلقا . وقد أسنده الحافظ البيهقي ، عن  الحاكم ،  عن أبي بكر أحمد بن محمد بن يحيى الأشقر ،  عن يوسف بن موسى ،  عن  أحمد بن صالح ،  عن عنبسة ،  عن  يونس بن يزيد الأيلي ،  عن الزهري  به . 
وقال  البيهقي    : أنبأنا  الحاكم ،  أنبأنا الأصم ،  أنبأنا أحمد بن عبد الجبار ،  عن أبي معاوية ،  عن الأعمش ،  عن عبد الله بن مرة ،  عن أبي الأحوص ،  عن  عبد الله بن مسعود  قال : لأن أحلف تسعا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل قتلا أحب إلي من أن أحلف واحدة أنه لم يقتل ، وذلك أن الله اتخذه نبيا واتخذه شهيدا   . 
 [ ص: 34 ] وقال  البخاري    : ثنا إسحاق ،  أخبرنا بشر بن شعيب بن أبي حمزة ،  حدثني أبي ، عن الزهري  قال : أخبرني عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري ،  وكان  كعب بن مالك  أحد الثلاثة الذين تيب عليهم ، أن  عبد الله بن عباس  أخبره أن علي بن أبي طالب  خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي توفي فيه ، فقال الناس : يا أبا الحسن ،  كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : أصبح بحمد الله بارئا . فأخذ بيده  عباس بن عبد المطلب  فقال له : أنت والله بعد ثلاث عبد العصا ، وإني والله لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يتوفى من وجعه هذا ، إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب  عند الموت ، اذهب بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلنسأله فيمن هذا الأمر ؟ إن كان فينا علمنا ذلك ، وإن كان في غيرنا علمناه فأوصى بنا . فقال علي    : إنا والله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده ، وإني والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم   . انفرد به  البخاري    . 
وقال  البخاري    : ثنا قتيبة ،  ثنا سفيان ،  عن سليمان الأحول ،  عن سعيد بن جبير ،  قال : قال ابن عباس    : يوم الخميس وما يوم الخميس ؟ اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه ، فقال : " ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده   [ ص: 35 ] أبدا " فتنازعوا ، ولا ينبغي عند نبي تنازع ، فقالوا : ما شأنه يهجر ؟ استفهموه . فذهبوا يردون عنه ، فقال : " دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه " فأوصاهم بثلاث ; قال : " أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم " وسكت عن الثالثة أو قال : فنسيتها   . ورواه  البخاري  في موضع آخر ، ومسلم  من حديث سفيان بن عيينة  به . 
ثم قال  البخاري    : حدثنا علي بن عبد الله ،  ثنا عبد الرزاق ،  أنبأنا معمر ،  عن الزهري ،  عن عبيد الله بن عبد الله ،  عن ابن عباس  قال : لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " هلموا أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده " فقال بعضهم : إن رسول الله قد غلبه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله . فاختلف أهل البيت واختصموا ، فمنهم من يقول : قربوا يكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده . ومنهم من يقول غير ذلك ، فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قوموا   " . قال عبيد الله    : قال ابن عباس    : إن   [ ص: 36 ] الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم . ورواه مسلم  عن محمد بن رافع   وعبد بن حميد ،  كلاهما عن عبد الرزاق  بنحوه . وقد أخرجه  البخاري  في مواضع من " صحيحه " من حديث معمر  ويونس ،  عن الزهري  به . وهذا الحديث مما قد توهم به بعض الأغبياء من أهل البدع من الشيعة وغيرهم ، كل يدعي أنه كان يريد أن يكتب في ذلك الكتاب ما يرمزون إليه من مقالاتهم ، وهذا هو التمسك بالمتشابه وترك المحكم ، وأهل السنة يأخذون بالمحكم ويردون ما تشابه إليه ، وهذه طريقة الراسخين في العلم ، كما وصفهم الله ، عز وجل ، في كتابه ، وهذا الموضع مما زل فيه أقدام كثير من أهل الضلالات ، وأما أهل السنة فليس لهم مذهب إلا اتباع الحق يدورون معه كيفما دار ، وهذا الذي كان يريد عليه الصلاة والسلام أن يكتبه قد جاء في الأحاديث الصحيحة التصريح بكشف المراد منه ; فإنه قد قال الإمام أحمد    : حدثنا مؤمل ،  ثنا  نافع بن عمر ،  ثنا  ابن أبي مليكة ،  عن عائشة  قالت : لما كان وجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قبض فيه قال : " ادعوا لي أبا بكر  وابنه فليكتب ; لكي لا يطمع في أمر أبي بكر  طامع ولا يتمنى متمن " ثم قال يأبى الله ذلك والمؤمنون مرتين . قالت عائشة    :   [ ص: 37 ] فأبى الله ذلك والمؤمنون   . انفرد به أحمد  من هذا الوجه . 
وقال أحمد    : حدثنا أبو معاوية ،  ثنا عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي ،  عن  ابن أبي مليكة ،  عن عائشة  قالت : لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن أبي بكر    " ائتني بكتف أو لوح حتى أكتب لأبي بكر  كتابا لا يختلف عليه " فلما ذهب عبد الرحمن  ليقوم قال أبى الله والمؤمنون أن يختلف عليك يا أبا بكر  انفرد به أحمد  من هذا الوجه أيضا . 
وروى  البخاري ،  عن يحيى بن يحيى ،  عن  سليمان بن بلال ،  عن يحيى بن سعيد ،  عن  القاسم بن محمد ،  عن عائشة  قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :   " لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكر  وابنه فأعهد ; أن يقول القائلون أو يتمنى متمنون ، فقلت : يأبى الله ويدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون   . 
وفي " صحيح  البخاري    " و " مسلم    " من حديث إبراهيم بن سعد ،  عن أبيه ، عن محمد بن جبير بن مطعم ،  عن أبيه قال : أتت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه . فقالت : أرأيت إن جئت ولم أجدك ؟ كأنها تقول : الموت . قال : " إن لم تجديني فأتي أبا بكر    " والظاهر ، والله أعلم ، أنها إنما قالت ذلك له ، عليه الصلاة والسلام ، في مرضه الذي مات فيه ، صلوات الله وسلامه عليه   . 
 [ ص: 38 ] وقد خطب عليه الصلاة والسلام في يوم الخميس قبل أن يقبض ، عليه الصلاة والسلام ، بخمسة أيام خطبة عظيمة ، بين فيها فضل الصديق  من بين سائر الصحابة ، مع ما كان قد نص عليه أن يؤم الصحابة أجمعين ، كما سيأتي بيانه مع حضورهم كلهم ، ولعل خطبته هذه كانت عوضا عما أراد أن يكتبه في الكتاب ، وقد اغتسل عليه الصلاة والسلام ، بين يدي هذه الخطبة الكريمة ، فصبوا عليه من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن ، وهذا من باب الاستشفاء بالسبع ،  كما وردت بها الأحاديث في غير هذا الموضع ، والمقصود أنه ، عليه الصلاة والسلام ، اغتسل ثم خرج فصلى بالناس ، ثم خطبهم ، كما تقدم في حديث عائشة  رضي الله عنها 


						
						
