[ ص: 393 ] ذكر خروجه صلى الله عليه وسلم من مكة  بعد قضاء عمرته  
قد تقدم ما ذكره  موسى بن عقبة  ، أن قريشا  بعثوا إليه  حويطب بن عبد العزى   بعد مضي أربعة أيام ليرحل عنهم ، كما وقع به الشرط ، فعرض عليهم أن يعمل وليمة عرسه بميمونة  عندهم ، وإنما أراد تأليفهم بذلك ، فأبوا عليه وقالوا : بل اخرج عنا . فخرج . وكذلك ذكره ابن إسحاق  
وقال  البخاري    : حدثنا  عبيد الله بن موسى ،  عن إسرائيل ،  عن أبي إسحاق ،  عن البراء  قال : اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة ، فأبى أهل مكة   أن يدعوه يدخل مكة  ، حتى قاضاهم على أن يقيموا بها ثلاثة أيام ، فلما كتبوا الكتاب ، كتبوا : هذا ما قاضى عليه محمد  رسول الله . قالوا : لا نقر بهذا ، لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئا ، ولكن أنت محمد بن عبد الله .  قال : " أنا رسول الله ، وأنا محمد بن عبد الله    " . ثم قال لعلي بن أبي طالب    : " امح رسول الله " . قال : لا والله لا أمحوك أبدا . فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب ، وليس يحسن يكتب ، فكتب : هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله ،  لا يدخل مكة  إلا السيف في القراب ، وأن لا يخرج من أهلها بأحد أراد أن يتبعه ،   [ ص: 394 ] وأن لا يمنع من أصحابه أحدا أراد أن يقيم بها . فلما دخلها ومضى الأجل ، أتوا عليا فقالوا : قل لصاحبك : اخرج عنا ، فقد مضى الأجل ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فتبعته ابنة حمزة  تنادي : يا عم ، يا عم . فتناولها علي  فأخذ بيدها ، وقال لفاطمة    : دونك ابنة عمك ، فحملتها ، فاختصم فيها علي  وزيد  وجعفر ،  فقال علي    : أنا أخذتها وهي ابنة عمي . وقال جعفر    : ابنة عمي ، وخالتها تحتي . وقال زيد    : ابنة أخي . فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال : " الخالة بمنزلة الأم " . وقال لعلي    : " أنت مني وأنا منك " . وقال لجعفر    : " أشبهت خلقي وخلقي " وقال لزيد    : " أنت أخونا ومولانا " . قال علي    : ألا تتزوج ابنة حمزة ؟  قال : " إنها ابنة أخي من الرضاعة تفرد به  البخاري  من هذا الوجه . 
وقد روى الواقدي  قصة ابنة حمزة ،  فقال : حدثني ابن أبي حبيبة ،  عن  داود بن الحصين ،  عن عكرمة ،  عن ابن عباس ،  أن عمارة ابنة حمزة بن عبد المطلب ،  وأمها سلمى بنت عميس ،  كانت بمكة ،  فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كلم علي بن أبي طالب  رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " علام نترك ابنة عمنا يتيمة بين ظهراني المشركين ؟ فلم ينه النبي صلى الله عليه وسلم عن إخراجها ، فخرج بها ، فتكلم  زيد بن حارثة  وكان وصي حمزة ،  وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد آخى بينهما حين آخى بين المهاجرين ، فقال : أنا أحق بها ، ابنة أخي . فلما سمع بذلك جعفر  قال : الخالة والدة ، وأنا أحق بها لمكان خالتها عندي  أسماء بنت عميس  وقال علي    : ألا أراكم تختصمون! هي ابنة عمي ، وأنا أخرجتها من بين أظهر المشركين ، وليس   [ ص: 395 ] لكم إليها سبب دوني ، وأنا أحق بها منكم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أنا أحكم بينكم ، أما أنت يا زيد  فمولى الله ومولى رسول الله ، وأما أنت يا علي  فأخي وصاحبي ، وأما أنت يا جعفر  فتشبه خلقي وخلقي ، وأنت يا جعفر  أولى بها ، تحتك خالتها ، ولا تنكح المرأة على خالتها ولا على عمتها " فقضى بها لجعفر    . 
قال الواقدي    : فلما قضى بها لجعفر ،  قام جعفر  فحجل حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " ما هذا يا جعفر ؟    " فقال : يا رسول الله ، كان النجاشي إذا أرضى أحدا ، قام فحجل حوله . فقال للنبي صلى الله عليه وسلم : تزوجها . فقال : " ابنة أخي من الرضاعة " . فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم  سلمة بن أبي سلمة ،  فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " هل جزيت سلمة  ؟ . 
قلت : لأنه ذكر الواقدي  وغيره ، أنه هو الذي زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمه أم سلمة ،  لأنه كان أكبر من أخيه عمر بن أبي سلمة    . والله أعلم . 
قال ابن إسحاق :  ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة  في ذي   [ ص: 396 ] الحجة ، وتولى المشركون تلك الحجة . قال ابن هشام :  وأنزل الله في هذه العمرة ، فيما حدثني أبو عبيدة ،  قوله تعالى : لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا    ( الفتح : 27 ) يعني خيبر    . 


						
						
