القول في تأويل قوله تعالى ( أياما معدودات    ) 
قال أبو جعفر   : يعني تعالى ذكره ، كتب عليكم أيها الذين آمنوا - الصيام أياما معدودات . 
ونصب " أياما " بمضمر من الفعل ، كأنه قيل : كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ، أن تصوموا أياما معدودات ، كما يقال : " أعجبني الضرب زيدا " .  [ ص: 414 ] 
وقوله : " كما كتب على الذين من قبلكم " من الصيام ، كأنه قيل : كتب عليكم الذي هو مثل الذي كتب على الذين من قبلكم : أن تصوموا أياما معدودات . 
ثم اختلف أهل التأويل فيما عنى الله جل وعز بقوله : " أياما معدودات " . 
فقال بعضهم : " الأيام المعدودات " ، صوم ثلاثة أيام من كل شهر   . قال : وكان ذلك الذي فرض على الناس من الصيام قبل أن يفرض عليهم شهر رمضان . 
ذكر من قال ذلك : 
2727 - حدثنا المثنى  قال : حدثنا أبو حذيفة  قال : حدثنا شبل  ، عن ابن أبي نجيح  عن عطاء  قال : كان عليهم الصيام ثلاثة أيام من كل شهر ، ولم يسم الشهر أياما معدودات . قال : وكان هذا صيام الناس قبل ، ثم فرض الله عز وجل على الناس شهر رمضان . 
2728 - حدثني محمد بن سعد  قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قوله : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون   " ، وكان ثلاثة أيام من كل شهر ، ثم نسخ ذلك بالذي أنزل من صيام رمضان . فهذا الصوم الأول ، من العتمة . 
2729 - حدثنا أبو كريب  قال : حدثنا  يونس بن بكير  قال : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة   . عن عمرو بن مرة  ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى  ، عن معاذ بن جبل   : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة  فصام يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر ، ثم أنزل الله جل وعز فرض شهر رمضان  ، فأنزل الله : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم   " حتى بلغ : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين   " .  [ ص: 415 ] 
2730 - حدثنا الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا عبد الرزاق  قال : أخبرنا معمر  عن قتادة  قال : قد كتب الله تعالى ذكره على الناس ، قبل أن ينزل رمضان ، صوم ثلاثة أيام من كل شهر . 
وقال آخرون : بل الأيام الثلاثة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومها قبل أن يفرض رمضان ، كان تطوعا صومهن ، وإنما عنى الله جل وعز بقوله : كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم   . . . أياما معدودات  ، أيام شهر رمضان ، لا الأيام التي كان يصومهن قبل وجوب فرض صوم شهر رمضان . 
ذكر من قال ذلك : 
2731 - حدثنا  محمد بن المثنى  قال : حدثنا محمد بن جعفر  عن شعبة  ، عن عمرو بن مرة  قال : حدثنا أصحابنا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم عليهم أمرهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر تطوعا لا فريضة . قال : ثم نزل صيام رمضان - قال أبو موسى   : قوله : " قال عمرو بن مرة   : حدثنا أصحابنا "  [ ص: 415 ] يريد  ابن أبي ليلى  ، كأن  ابن أبي ليلى  القائل : " حدثنا أصحابنا " . 
2732 - حدثنا  ابن المثنى  قال : حدثنا أبو داود  قال : حدثنا شعبة  قال : سمعت عمرو بن مرة  قال : سمعت  ابن أبي ليلى  ، فذكر نحوه .  [ ص: 417 ] 
قال أبو جعفر   : وقد ذكرنا قول من قال : عنى بقوله : " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم   " ، شهر رمضان . 
وأولى ذلك بالصواب عندي قول من قال : عنى الله جل ثناؤه بقوله : " ( أياما معدودات   ) ، أيام شهر رمضان . وذلك أنه لم يأت خبر تقوم به حجة بأن صوما فرض على أهل الإسلام غير صوم شهر رمضان ، ثم نسخ بصوم شهر رمضان ، وأن الله تعالى قد بين في سياق الآية ، أن الصيام الذي أوجبه جل ثناؤه علينا هو صيام شهر رمضان دون غيره من الأوقات ، بإبانته ، عن الأيام التي أخبر أنه كتب علينا صومها بقوله : " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن   " . فمن ادعى أن صوما كان قد لزم المسلمين فرضه غير صوم شهر رمضان الذين هم مجمعون على وجوب فرض صومه - ثم نسخ ذلك - سئل البرهان على ذلك من خبر تقوم به حجة ، إذ كان لا يعلم ذلك إلا بخبر يقطع العذر . 
وإذ كان الأمر في ذلك على ما وصفنا للذي بينا ، فتأويل الآية : كتب عليكم أيها المؤمنون الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ، أياما معدودات هي شهر رمضان . وجائز أيضا أن يكون معناه : " كتب عليكم الصيام   " ، كتب عليكم شهر رمضان . 
وأما " المعدودات " : فهي التي تعد مبالغها وساعات أوقاتها . ويعني بقوله : " معدودات " ، محصيات . 


						
						
