القول في تأويل قوله تعالى : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون    ( 15 ) ثم إنهم لصالو الجحيم   ( 16 ) ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون   ( 17 ) ) . 
يقول تعالى ذكره : ما الأمر كما يقول هؤلاء المكذبون بيوم الدين ، من أن لهم عند الله زلفة ، إنهم يومئذ عن ربهم لمحجوبون ، فلا يرونه ، ولا يرون شيئا من كرامته يصل إليهم . 
وقد اختلف أهل التأويل في معنى قوله : ( إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون   ) فقال بعضهم : معنى ذلك : إنهم محجوبون عن كرامته . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني علي بن سهل ،  قال : ثنا  الوليد بن مسلم ،  عن خليد ،  عن قتادة   ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون   ) هو لا ينظر إليهم ، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم . 
حدثني سعيد بن عمرو السكوني ،  قال : ثنا بقية بن الوليد ،  قال : ثنا جرير ،  قال : ثني نمران أبو الحسن الذماري ،  عن  ابن أبي مليكة  أنه كان يقول في هذه الآية ( إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون   ) قال : المنان والمختال والذي يقتطع أموال الناس بيمينه بالباطل   . 
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنهم محجوبون عن رؤية ربهم . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن عمار الرازي ،  قال : ثنا أبو معمر المنقري ،  قال : ثنا عبد الوارث  [ ص: 290 ] بن سعيد ،  عن  عمرو بن عبيد ،  عن الحسن  في قوله : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون   ) قال : يكشف الحجاب فينظر إليه المؤمنون كل يوم غدوة وعشية ، أو كلاما هذا معناه . 
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء القوم أنهم عن رؤيته محجوبون . ويحتمل أن يكون مرادا به الحجاب عن كرامته ، وأن يكون مرادا به الحجاب عن ذلك كله ، ولا دلالة في الآية تدل على أنه مراد بذلك الحجاب عن معنى منه دون معنى ، ولا خبر به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قامت حجته . فالصواب أن يقال : هم محجوبون عن رؤيته ، وعن كرامته إذ كان الخبر عاما ، لا دلالة على خصوصه . 
وقوله : ( إنهم لصالو الجحيم   ) يقول تعالى ذكره : ثم إنهم لواردو الجحيم ، فمشويون فيها ، ثم يقال : ( هذا الذي كنتم به تكذبون   ) يقول جل ثناؤه : ثم يقال لهؤلاء المكذبين بيوم الدين   : هذا العذاب الذي أنتم فيه اليوم ، هو العذاب الذي كنتم في الدنيا تخبرون أنكم ذائقوه ، فتكذبون به ، وتنكرونه ، فذوقوه الآن ، فقد صليتم به . 


						
						
