القول في تأويل قوله تعالى : ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى  ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا   ) 
 [ ص: 580 ] يقول تعالى ذكره لنبيه : قل يا محمد  لمشركي قومك المنكرين دعاء الرحمن ( ادعوا الله   ) أيها القوم ( أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى   ) بأي أسمائه جل جلاله تدعون ربكم ، فإنما تدعون واحدا ، وله الأسماء الحسنى ، وإنما قيل ذلك له صلى الله عليه وسلم ، لأن المشركين فيما ذكر سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه : يا ربنا الله ، ويا ربنا الرحمن ، فظنوا أنه يدعو إلهين ، فأنزل الله على نبيه عليه الصلاة والسلام هذه الآية احتجاجا لنبيه عليهم .
ذكر الرواية بما ذكرنا : حدثنا القاسم ،  قال : ثنا الحسين ،  قال : ثني محمد بن كثير ،  عن عبد الله بن واقد ،  عن أبي الجوزاء  عن ابن عباس   . قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم ساجدا يدعو : يا رحمن يا رحيم ، فقال المشركون : هذا يزعم أنه يدعو واحدا ، وهو يدعو مثنى مثنى ، فأنزل الله تعالى ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى   ) . . . . الآية  . 
حدثنا القاسم ،  قال : ثنا الحسين ،  قال : ثني عيسى   ; عن الأوزاعي ،  عن مكحول ،  أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يتهجد بمكة ذات ليلة ، يقول في سجوده : يا رحمن يا رحيم ، فسمعه رجل من المشركين ، فلما أصبح قال لأصحابه : انظروا ما قال ابن أبي كبشة ، يدعو الليلة الرحمن الذي باليمامة ، وكان باليمامة رجل يقال له الرحمن : فنزلت ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى   )  . " 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قوله ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى   ) .  [ ص: 581 ] 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى  ، وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن  ، قال : ثنا ورقاء ،  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  قوله ( أيا ما تدعوا   ) بشيء من أسمائه  . 
حدثني موسى بن سهل ،  قال : ثنا محمد بن بكار البصري ،  قال : ثني حماد بن عيسى   ; عن عبيد بن الطفيل الجهني ،  قال : ثنا  ابن جريج ،  عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ،  عن مكحول ،  عن عراك بن مالك ،  عن  أبي هريرة ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن لله تسعة وتسعين اسما كلهن في القرآن ، من أحصاهن دخل الجنة  " . 
قال أبو جعفر   : ولدخول " ما " في قوله ( أيا ما تدعوا   ) وجهان : أحدهما أن تكون صلة ، كما قيل : ( عما قليل ليصبحن نادمين   ) والآخر أن تكون في معنى إن : كررت لما اختلف لفظاهما ، كما قيل : ما إن رأيت كالليلة ليلة . 
وقوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا   ) اختلف أهل التأويل في الصلاة ، فقال بعضهم : عنى بذلك : ولا تجهر بدعائك ، ولا تخافت به ، ولكن بين ذلك ، وقالوا : عنى بالصلاة في هذا الموضع : الدعاء . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني يحيى بن عيسى الدامغاني ،  قال : ثنا ابن المبارك ،  عن  هشام بن عروة ،  عن أبيه ، عن عائشة ،  في قوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها   ) قالت : في الدعاء  . 
حدثنا بشار ،  قال : ثنا  هشام بن عروة ،  عن أبيه ، عن عائشة ،  قالت : نزلت في الدعاء . 
حدثنا ابن بشار ،  قال : ثنا عبد الرحمن ،  قال : ثنا سفيان ،  عن  هشام بن عروة ،  عن أبيه ، عن عائشة  مثله . 
حدثنا الحسن بن عرفة ،  قال : ثنا عباد بن العوام ،  عن أشعث بن سوار ،  عن عكرمة  ، عن ابن عباس  في قول الله تعالى ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها    ) قال : كانوا يجهرون بالدعاء ، فلما نزلت هذه الآية أمروا أن لا يجهروا ، ولا يخافتوا  .  [ ص: 582 ] 
حدثنا ابن بشار ،  قال : ثنا عبد الرحمن ،  قال : ثنا حماد ،  عن عمرو بن مالك البكري ،  عن أبي الجوزاء  عن عائشة ،  قالت : نزلت في الدعاء . 
حدثني مطر بن محمد الضبي ،  قال : ثنا عبد الله بن داود ،  قال : ثنا شريك ،  عن زياد بن فياض ،  عن أبي عياض ،  في قوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها   ) قال : الدعاء  . 
حدثنا ابن بشار ،  قال : ثنا عبد الرحمن ،  قال : ثنا سفيان ،  عن إبراهيم الهجري ،  عن أبي عياض   ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها   ) قال : نزلت في الدعاء  . 
حدثنا ابن بشار ،  قال : ثنا عبد الرحمن ،  قال : ثنا شريك ،  عن زياد بن فياض ،  عن أبي عياض  مثله . 
حدثنا ابن بشار ،  قال : ثنا عبد الرحمن ،  قال : ثنا سفيان  عمن ذكره عن عطاء   ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها   ) قال : نزلت في الدعاء  . 
حدثنا  ابن المثنى ،  قال : ثنا محمد بن جعفر ،  قال : ثنا شعبة ،  عن الحكم ،  عن مجاهد  في الآية ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها   ) قال : في الدعاء  . 
حدثنا ابن بشار ،  قال : ثنا عبد الرحمن ،  قال : ثنا شعبة ،  عن الحكم ،  عن مجاهد ،  قال : نزلت في الدعاء . 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى   ; وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء ،  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  قوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها   ) في الدعاء والمسألة  . 
حدثنا القاسم ،  قال : ثنا الحسين ،  قال : ثني حجاج ،  عن  ابن جريج ،  عن مجاهد ،  مثله . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا جرير ،  عن ليث ،  عن مجاهد ،  قال : نزلت في الدعاء والمسألة .  [ ص: 583 ] 
حدثنا ابن بشار ،  قال : ثنا يحيى ،  قال : ثني سفيان ،  قال : ثني  قيس بن مسلم  ، عن سعيد بن جبير  في قوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها   ) قال : في الدعاء  . 
حدثنا ابن بشار ،  قال : ثنا أبو أحمد الزبيري ،  قال : ثنا سفيان ،  عن ابن عياش العامري ،  عن  عبد الله بن شداد  قال : كان أعراب إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : اللهم ارزقنا إبلا وولدا ، قال : فنزلت هذه الآية ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها   )  . 
حدثنا الحسن بن يحيى ،  قال : أخبرنا عبد الرزاق ،  قال : أخبرنا معمر ،  عن  هشام بن عروة ،  عن أبيه ، في قوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها   ) قال : في الدعاء  . 
حدثني ابن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ،   ( ولا تجهر بصلاتك   ) . . . . الآية ، قال : في الدعاء والمسألة  . 
حدثنا القاسم ،  قال : ثنا الحسين ،  قال : ثني عيسى   ; عن الأوزاعي ،  عن مكحول   ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها   ) قال : ذلك في الدعاء  . 
وقال آخرون : عنى بذلك الصلاة . 
واختلف قائلو هذه المقالة في المعنى الذي عنى بالنهي عن الجهر به ، فقال بعضهم : الذي نهى عن الجهر به منها القراءة . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا أبو كريب ،  قال : ثنا هشيم ،  قال : أخبرنا أبو بشر ،  عن سعيد بن جبير ،  عن ابن عباس ،  قال : نزلت هذه الآية ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوار ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها   ) قال : كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن ، فإذا سمع ذلك المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ، ومن جاء به ، قال : فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ( ولا تجهر بصلاتك   )  [ ص: 584 ] فيسمع المشركون ( ولا تخافت بها   ) عن أصحابك ، فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوا عنك  . 
حدثنا أبو كريب ،  قال : ثنا عثمان بن سعيد ، قال : ثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ،  عن ابن عباس ،  في قوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها   ) قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا جهر بالصلاة بالمسلمين بالقرآن ، شق ذلك على المشركين إذا سمعوه ، فيؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشتم والعيب به ، وذلك بمكة ، فأنزل الله : يا محمد ( ولا تجهر بصلاتك   ) يقول : لا تعلن بالقراءة بالقرآن إعلانا شديدا يسمعه المشركون فيؤذونك ، ولا تخافت بالقراءة بالقرآن : يقول : لا تخفض صوتك حتى لا تسمع أذنيك ( وابتغ بين ذلك سبيلا   ) يقول : اطلب بين الإعلان والجهر وبين التخافت والخفض طريقا ، لا جهرا شديدا ، ولا خفضا لا تسمع أذنيك ، فذلك القدر ، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة  سقط هذا كله ، يفعل الآن أي ذلك شاء . 
حدثت عن الحسين ،  قال : سمعت أبا معاذ  يقول : ثنا عبيد ،  قال : سمعت الضحاك  يقول في قوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها   ) . . . . الآية ، هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة كان إذا صلى بأصحابه ، فرفع صوته بالقراءة أسمع المشركين ، فآذوه ، فأمره الله أن لا يرفع صوته ، فيسمع عدوه ، ولا يخافت فلا يسمع من خلفه من المسلمين ، فأمره الله أن يبتغي بين ذلك سبيلا  . 
حدثنا ابن وكيع ،  قال : ثنا جرير ،  عن الأعمش ،  عن  جعفر بن إياس ،  عن سعيد بن جبير ،  عن ابن عباس ،  قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بالقرآن ، فكان المشركون إذا سمعوا صوته سبوا القرآن ، ومن جاء به ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يخفي القرآن فما يسمعه أصحابه ، فأنزل الله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا   )  . 
حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق ، قال : سمعت أبي ، يقول : أخبرنا أبو حمزة عن الأعمش ،  عن  جعفر بن إياس ،  عن سعيد بن جبير ،  عن ابن عباس   ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها   ) قال : كان رسول الله صلى  [ ص: 585 ] الله عليه وسلم إذا رفع صوته وسمع المشركون ، سبوا القرآن ، ومن جاء به ، وإذا خفض لم يسمع أصحابه ، قال الله ( وابتغ بين ذلك سبيلا   )  . 
حدثنا أبو كريب ،  قال : ثنا يونس   : ثنا محمد بن إسحاق ،  قال : ثني  داود بن الحصين ،  عن عكرمة ،  عن ابن عباس ،  قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جهر بالقرآن وهو يصلي تفرقوا ، وأبوا أن يستمعوا منه ، فكان الرجل إذا أراد أن يستمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض ما يتلو ، وهو يصلي ، استرق السمع دونهم فرقا منهم ، فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع ، ذهب خشية أذاهم ، فلم يستمع ، فإن خفض رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته ، لم يستمع الذين يستمعون من قراءته شيئا ، فأنزل الله عليه ( ولا تجهر بصلاتك   ) فيتفرقوا عنك ( ولا تخافت بها   ) فلا تسمع من أراد أن يسمعها ، ممن يسترق ذلك دونهم ، لعله يرعوي إلى بعض ما يسمع ، فينتفع به ، ( وابتغ بين ذلك سبيلا   ) . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا يعقوب ،  عن جعفر ،  عن سعيد ،  قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بقراءة القرآن في المسجد الحرام ، فقالت قريش : لا تجهر بالقراءة فتؤذي آلهتنا ، فنهجو ربك ، فأنزل الله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها   ) . . . . الآية  . 
حدثني يعقوب ،  قال : ثنا هشيم ،  قال : أخبرنا أبو بشر ،  عن سعيد بن جبير  ، عن ابن عباس ،  في قوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها   ) قال : نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مختف بمكة ، فكان إذا صلى بأصحابه رفع الصوت بالقرآن ، فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ، ومن جاء به ، فقال الله لنبيه ( ولا تجهر بصلاتك   ) : أي بقراءتك ، فيسمع المشركون ، فيسبوا القرآن ( ولا تخافت بها   ) عن أصحابك ، فلا تسمعهم ( وابتغ بين ذلك سبيلا   )  . 
حدثنا ابن بشار ،  قال : ثنا أبو أحمد ،  قال : ثنا سفيان ،  عن الأعمش ،  عن  جعفر بن إياس ،  عن سعيد بن جبير ،  في قوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها   ) قال : في القراءة  .  [ ص: 586 ] 
حدثنا ابن بشار ،  قال : ثنا محمد بن جعفر ،  قال : ثنا سعيد ،  عن أبي بشر ،  عن سعيد بن جبير ،  في هذه الآية ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها   ) قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع صوته أعجب ذلك أصحابه ، وإذا سمع ذلك المشركون سبوه ، فنزلت هذه الآية  . 
حدثني يعقوب ،  قال : ثنا  ابن علية ،  عن سلمة ،  عن علقمة ،  عن  محمد بن سيرين ،  قال : نبئت أن أبا بكر كان إذا صلى فقرأ خفض صوته ، وأن عمر كان يرفع صوته ، قال : فقيل لأبي بكر : لم تصنع هذا؟ فقال : أناجي ربي ، وقد علم حاجتي ، قيل : أحسنت ، وقيل لعمر   : لم تصنع هذا؟ قال : أطرد الشيطان ، وأوقظ الوسنان ، قيل : أحسنت ، فلما نزلت ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا   ) قيل لأبي بكر : ارفع شيئا ، وقيل لعمر : اخفض شيئا  . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا  يحيى بن واضح ،  قال : ثنا حسان بن إبراهيم ،  عن إبراهيم الصائغ ،  عن عطاء ،  في قوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها   ) قال : يقول ناس إنها في الصلاة ، ويقول آخرون إنها في الدعاء  . 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا   ) وكان نبي الله وهو بمكة ، إذا سمع المشركون صوته رموه بكل خبث ، فأمره الله أن يغض من صوته ، وأن يجعل صلاته بينه وبين ربه ، وكان يقال : ما سمعته أذنك فليس بمخافتة  . 
حدثنا الحسن بن يحيى ،  قال : أخبرنا عبد الرزاق ،  قال : أخبرنا معمر ،  عن قتادة ،  في قوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها   ) قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بالصلاة ، فيرمى بالخبث ، فقال : لا ترفع صوتك فتؤذى ولا تخافت بها ، وابتغ بين ذلك سبيلا  . 
وقال آخرون : إنما عني بذلك : ولا تجهر بالتشهد في صلاتك ، ولا تخافت بها .  [ ص: 587 ] 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني أبو السائب ،  قال : ثنا  حفص بن غياث ،  عن  هشام بن عروة ،  عن أبيه ، عن عائشة ،  قالت : نزلت هذه الآية في التشهد ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها   )  . 
حدثني أبو السائب ،  قال : ثنا حفص ،  عن أشعث ،  عن ابن سيرين  مثله . وزاد فيه : وكان الأعرابي يجهر فيقول : التحيات لله ، والصلوات لله ، يرفع فيها صوته ، فنزلت ( ولا تجهر بصلاتك   )  . 
وقال آخرون : بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بمكة  جهارا ، فأمر بإخفائها . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا  يحيى بن واضح ،  قال : ثنا الحسين ،  عن يزيد ،  عن عكرمة  والحسن البصري  قالا قال في بني إسرائيل ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا   ) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى يجهر بصلاته ، فآذى ذلك المشركين بمكة ، حتى أخفى صلاته هو وأصحابه ، فلذلك قال ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا   ) وقال في الأعراف ( واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين   )  . 
وقال آخرون : معنى ذلك : ولا تجهر بصلاتك تحسنها من إتيانها في العلانية ، ولا تخافت بها : تسيئها في السريرة . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة ،  عن الحسن  أنه كان يقول ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها   ) : أي لا تراء بها علانية ، ولا تخفها سرا ( وابتغ بين ذلك سبيلا   ) . 
حدثنا الحسن ،  قال : أخبرنا عبد الرزاق ،  قال : أخبرنا معمر ،  قال : كان الحسن  يقول في قوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها   ) قال : لا تحسن علانيتها ، وتسئ سريرتها  . 
حدثني يعقوب ،  قال : ثنا هشيم ،  عن عوف ،  عن الحسن ،  في قوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها    ) قال : لا تراء بها في العلانية ، ولا تخفها في السريرة .  [ ص: 588 ] 
حدثني علي بن الحسن الأزرقي ،  قال : ثنا الأشجعي ،  عن سفيان ،  عن منصور ،  عن الحسن   ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها   ) قال : تحسن علانيتها ، وتسيء سريرتها  . 
حدثني علي ،  قال : ثنا عبد الله ،  قال : ثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس ،  قوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها   ) قال : لا تصل مراءاة الناس ولا تدعها مخافة  . 
وقال آخرون في ذلك ما حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد  في قوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا   ) قال : السبيل بين ذلك الذي سن له جبرائيل من الصلاة التي عليها المسلمون . قال : وكان أهل الكتاب يخافتون ، ثم يجهر أحدهم بالحرف ، فيصيح به ، ويصيحون هم به وراءه ، فنهي أن يصيح كما يصيح هؤلاء ، وأن يخافت كما يخافت القوم ، ثم كان السبيل الذي بين ذلك ، الذي سن له جبرائيل من الصلاة  . 
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة ، ما ذكرنا عن ابن عباس  في الخبر الذي رواه أبو جعفر ،  عن سعيد ،  عن ابن عباس ،  لأن ذلك أصح الأسانيد التي روي عن صحابي فيه قول مخرجا ، وأشبه الأقوال بما دل عليه ظاهر التنزيل ، وذلك أن قوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها   ) عقيب قوله ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى   ) وعقيب تقريع الكفار بكفرهم بالقرآن ، وذلك بعدهم منه ومن الإيمان . فإذا كان ذلك كذلك ، فالذي هو أولى وأشبه بقوله ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها   ) أن يكون من سبب ما هو في سياقه من الكلام ، ما لم يأت بمعنى يوجب صرفه عنه ، أو يكون على انصرافه عنه دليل يعلم به الانصراف عما هو في سياقه . 
فإذا كان ذلك كذلك ، فتأويل الكلام : قل ادعوا الله ، أو ادعوا الرحمن ، أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ، ولا تجهر يا محمد  بقراءتك في صلاتك ودعائك فيها ربك ومسألتك إياه ، وذكرك فيها ، فيؤذيك بجهرك بذلك المشركون ، ولا تخافت بها فلا يسمعها أصحابك ( وابتغ بين ذلك سبيلا   )  [ ص: 589 ] ولكن التمس بين الجهر والمخافتة طريقا إلى أن تسمع أصحابك ، ولا يسمعه المشركون فيؤذوك . ولولا أن أقوال أهل التأويل مضت بما ذكرت عنهم من التأويل ، وأنا لا نستجير خلافهم فيما جاء عنهم ، لكان وجها يحتمله التأويل أن يقال : ولا تجهر بصلاتك التي أمرناك بالمخافتة بها ، وهي صلاة النهار لأنها عجماء ، لا يجهر بها ، ولا تخافت بصلاتك التي أمرناك بالجهر بها ، وهي صلاة الليل ، فإنها يجهر بها ( وابتغ بين ذلك سبيلا   ) بأن تجهر بالتي أمرناك بالجهر بها ، وتخافت بالتي أمرناك بالمخافتة بها ، لا تجهر بجميعها ، ولا تخافت بكلها ، فكان ذلك وجها غير بعيد من الصحة ، ولكنا لا نرى ذلك صحيحا لإجماع الحجة من أهل التأويل على خلافه . فإن قال قائل : فأية قراءة هذه التي بين الجهر والمخافتة؟ 
قيل : حدثني مطر بن محمد ،  قال : ثنا قتيبة ،   ووهب بن جرير ،  قالا ثنا شعبة ،  عن الأشعث بن سليم ،  عن الأسود بن هلال ،  قال : قال عبد الله   : لم يخافت من أسمع أذنيه  . 
حدثنا ابن بشار ،  قال : ثنا عبد الرحمن ،  قال : ثنا شعبة ،  عن الأشعث ،  عن الأسود بن هلال ،  عن عبد الله ،  مثله . 

 
				
 
						 
						

 
					 
					