القول في تأويل قوله ( واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون    ( 26 ) ) 
قال أبو جعفر   : وهذا تذكير من الله عز وجل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومناصحة . يقول : أطيعوا الله ورسوله ، أيها المؤمنون ، واستجيبوا له إذا دعاكم لما يحييكم ، ولا تخالفوا أمره وإن أمركم بما فيه عليكم المشقة والشدة ، فإن الله يهونه عليكم بطاعتكم إياه ، ويعجل لكم منه ما تحبون ، كما فعل بكم إذ آمنتم به واتبعتموه وأنتم قليل يستضعفكم الكفار فيفتنونكم عن دينكم ، وينالونكم بالمكروه في أنفسكم وأعراضكم ، تخافون منهم أن يتخطفوكم فيقتلوكم ويصطلموا  [ ص: 477 ] جميعكم ( فآواكم ) ، يقول : فجعل لكم مأوى تأوون إليه منهم ( وأيدكم بنصره   ) ، يقول : وقواكم بنصره عليهم حتى قتلتم منهم من قتلتم ببدر   ( ورزقكم من الطيبات   ) ، يقول : وأطعمكم غنيمتهم حلالا طيبا ( لعلكم تشكرون ) ، يقول : لكي تشكروه على ما رزقكم وأنعم به عليكم من ذلك وغيره من نعمه عندكم . * * * 
واختلف أهل التأويل في " الناس " الذين عنوا بقوله : ( أن يتخطفكم الناس   ) . 
فقال بعضهم : كفار قريش   . 
* ذكر من قال ذلك . 
15914 - حدثنا القاسم  قال ، حدثنا الحسين  قال ، حدثني حجاج  ، عن  ابن جريج  ، عن عكرمة  قوله : ( واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس   ) ، قال : يعني بمكة ،  مع النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعه من قريش  وحلفائها ومواليها قبل الهجرة . 
15915 - حدثنا ابن عبد الأعلى  قال ، حدثنا محمد بن ثور  ، عن معمر  ، عن الكلبي  أو قتادة  أو كلاهما ( واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون   ) أنها نزلت في يوم بدر  ، كانوا يومئذ يخافون أن يتخطفهم الناس ، فآواهم الله وأيدهم بنصره .  [ ص: 478 ] 
15916 - حدثني المثنى  قال ، حدثنا إسحاق  قال ، حدثنا عبد الرزاق  ، عن معمر  ، عن قتادة  ، بنحوه . * * * 
وقال آخرون : بل عني به غير قريش   . 
* ذكر من قال ذلك . 
15917 - حدثني المثنى  قال ، حدثنا إسحاق  قال ، حدثنا عبد الرزاق  قال ، أخبرني أبي قال ، سمعت  وهب بن منبه  يقول في قوله عز وجل : ( تخافون أن يتخطفكم الناس   ) ، قال : فارس . 
15918 - . . . . قال ، حدثنا إسحاق  قال ، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم  قال ، حدثني عبد الصمد   : أنه سمع  وهب بن منبه  يقول ، وقرأ : ( واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس   ) ، و" الناس " إذ ذاك ، فارس  والروم   . 
15919 - . . . . قال ، حدثنا يزيد  قال ، حدثنا سعيد  ، عن قتادة  قوله : ( واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض   ) ، قال : كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلا وأشقاه عيشا ، وأجوعه بطونا ، وأعراه جلودا ، وأبينه ضلالا [ مكعومين ، على رأس حجر ، بين الأسدين فارس  والروم ،  ولا والله ما في بلادهم يومئذ من شيء يحسدون عليه ] . من عاش منهم عاش شقيا ، ومن مات منهم ردي في النار ، يؤكلون ولا يأكلون ، والله ما نعلم قبيلا من حاضر أهل الأرض يومئذ كانوا أشر منهم منزلا حتى جاء الله بالإسلام ،  [ ص: 479 ] فمكن به في البلاد ، ووسع به في الرزق ، وجعلكم به ملوكا على رقاب الناس . فبالإسلام أعطى الله ما رأيتم ، فاشكروا الله على نعمه ، فإن ربكم منعم يحب الشكر ، وأهل الشكر في مزيد من الله تبارك وتعالى  . * * * 
قال أبو جعفر   : وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب ، قول من قال : " عني بذلك مشركو قريش   " ، لأن المسلمين لم يكونوا يخافون على أنفسهم قبل الهجرة من غيرهم ، لأنهم كانوا أدنى الكفار منهم إليهم ، وأشدهم عليهم يومئذ ، مع كثرة عددهم ، وقلة عدد المسلمين . * * * 
وأما قوله : ( فآواكم ) ، فإنه يعني : آواكم المدينة  ، 
وكذلك قوله : ( وأيدكم بنصره   ) ، بالأنصار   . * * * 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
* ذكر من قال ذلك : 
15920 - حدثني محمد بن الحسين  قال ، حدثنا أحمد بن مفضل  قال ، حدثنا أسباط  ، عن  السدي   : ( فآواكم ) ، قال : إلى الأنصار  بالمدينة   ( وأيدكم بنصره   ) ، وهؤلاء أصحاب محمد  صلى الله عليه وسلم ، أيدهم بنصره يوم بدر . 
15921 - حدثنا القاسم  قال ، حدثنا الحسين  قال ، حدثني حجاج  ، عن  ابن جريج  ، عن عكرمة   : ( فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات   ) ، يعني بالمدينة   .  [ ص: 480 ] 

 
				
 
						 
						

 
					 
					