[ ص: 383 ] القول في تأويل قوله ( فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين    ( 1 ) ) 
قال أبو جعفر   : يقول تعالى ذكره : فخافوا الله أيها القوم ، واتقوه بطاعته واجتناب معاصيه ، وأصلحوا الحال بينكم . 
واختلف أهل التأويل في الذي عنى بقوله : " وأصلحوا ذات بينكم   " . 
فقال بعضهم : هو أمر من الله الذين غنموا الغنيمة يوم بدر ،  وشهدوا الوقعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ اختلفوا في الغنيمة : أن يرد ما أصابوا منها بعضهم على بعض . 
ذكر من قال ذلك : 
15678 - حدثنا بشر بن معاذ  قال ، حدثنا يزيد  قال ، حدثنا سعيد ،  عن قتادة   : " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم   " ، قال : كان نبي الله ينفل الرجل من المؤمنين سلب الرجل من الكفار إذا قتله ، ثم أنزل الله : " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم   " ، أمرهم أن يرد بعضهم على بعض  . 
15679 - حدثنا القاسم  قال ، حدثنا الحسين  قال ، حدثني حجاج  ، عن  ابن جريج  قال : بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفل الرجل على قدر جده وغنائه على ما رأى ، حتى إذا كان يوم بدر ،  وملأ الناس أيديهم غنائم ، قال أهل الضعف من الناس : ذهب أهل القوة بالغنائم ! فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت : " قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم   " ، ليرد أهل القوة على أهل الضعف  .  [ ص: 384 ] 
وقال آخرون : هذا تحريج من الله على القوم ، ونهي لهم عن الاختلاف فيما اختلفوا فيه من أمر الغنيمة وغيره . 
ذكر من قال ذلك : 
15680 - حدثني محمد بن عمارة  قال ، حدثنا خالد بن يزيد  وحدثنا أحمد بن إسحاق  قال : حدثنا أبو أحمد  قالا حدثنا أبو إسرائيل  ، عن فضيل  ، عن مجاهد  ، في قول الله : " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم   " ، قال : حرج عليهم  . 
15681 - حدثني الحارث  قال ، حدثنا القاسم  قال ، حدثنا عباد بن العوام  ، عن سفيان بن حسين  ، عن مجاهد  ، عن ابن عباس   : " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم   " ، قال هذا تحريج من الله على المؤمنين ، أن يتقوا ويصلحوا ذات بينهم  قال عباد  ، قال سفيان   : هذا حين اختلفوا في الغنائم يوم بدر   . 
15682 - حدثني محمد بن الحسين  قال ، حدثنا أحمد بن المفضل  قال ، حدثنا أسباط  ، عن  السدي   : " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم   " ، أي لا تستبوا . 
واختلف أهل العربية في وجه تأنيث " البين " . 
فقال بعض نحويي البصرة   : أضاف " ذات " إلى " البين " وجعله " ذاتا " ، لأن بعض الأشياء يوضع عليه اسم مؤنث ، وبعضا يذكر نحو " الدار " و" الحائط " ، أنث " الدار " وذكر " الحائط " . 
وقال بعضهم : إنما أراد بقوله : " ذات بينكم " ، الحال التي للبين ، فقال : وكذلك " ذات العشاء " ، يريد الساعة التي فيها العشاء ، قال : ولم يضعوا مذكرا لمؤنث ، ولا مؤنثا لمذكر ، إلا لمعنى . 
قال أبو جعفر   : هذا القول أولى القولين بالصواب ، للعلة التي ذكرتها له .  [ ص: 385 ] 
وأما قوله : " وأطيعوا الله ورسوله   " ، فإن معناه : وانتهوا أيها القوم الطالبون الأنفال ، إلى أمر الله وأمر رسوله فيما أفاء الله عليكم ، فقد بين لكم وجوهه وسبله " إن كنتم مؤمنين " ، يقول : إن كنتم مصدقين رسول الله فيما آتاكم به من عند ربكم ، كما : - 
15683 - حدثني يونس  قال ، أخبرنا ابن وهب  قال ، قال ابن زيد   : " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين   " ، فسلموا لله ولرسوله ، يحكمان فيها بما شاءا ، ويضعانها حيث أرادا  . 

 
				
 
						 
						

 
					 
					