القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين    ( 134 ) ) 
قال أبو جعفر   : يعني جل ثناؤه بقوله : " الذين ينفقون في السراء والضراء   " ، أعدت الجنة التي عرضها السماوات والأرض للمتقين ، وهم المنفقون أموالهم في سبيل الله ، إما في صرفه على محتاج ، وإما في تقوية مضعف على النهوض لجهاده في سبيل الله . 
وأما قوله : "في السراء " ، فإنه يعني : في حال السرور ، بكثرة المال ورخاء العيش  [ ص: 214 ]  "والسراء " مصدر من قولهم "سرني هذا الأمر مسرة وسرورا " 
"والضراء " مصدر من قولهم : "قد ضر فلان فهو يضر " ، إذا أصابه الضر ، وذلك إذا أصابه الضيق ، والجهد في عيشه . 
7838 - حدثنا محمد بن سعد  قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قوله : " الذين ينفقون في السراء والضراء   " ، يقول : في العسر واليسر  . 
فأخبر جل ثناؤه أن الجنة التي وصف صفتها ، لمن اتقاه وأنفق ماله في حال الرخاء والسعة ، وفي حال الضيق والشدة ، في سبيله . 
وقوله : "والكاظمين الغيظ " ، يعني : والجارعين الغيظ عند امتلاء نفوسهم منه . 
يقال منه : "كظم فلان غيظه " ، إذا تجرعه ، فحفظ نفسه من أن تمضي ما هي قادرة على إمضائه ، باستمكانها ممن غاظها ، وانتصارها ممن ظلمها . 
وأصل ذلك من "كظم القربة " ، يقال منه : "كظمت القربة " ، إذا ملأتها ماء . و "فلان كظيم ومكظوم " ، إذا كان ممتلئا غما وحزنا . ومنه قول الله عز وجل ، ( وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم   ) [ سورة يوسف : 84 ] يعني : ممتلئ من الحزن . ومنه قيل لمجاري المياه : "الكظائم " ، لامتلائها بالماء . ومنه قيل : "أخذت بكظمه " يعني : بمجاري نفسه .  [ ص: 215 ] 
و"الغيظ " مصدر من قول القائل : "غاظني فلان فهو يغيظني غيظا " ، وذلك إذا أحفظه وأغضبه . 
وأما قوله : " والعافين عن الناس   " ، فإنه يعني : والصافحين عن الناس عقوبة ذنوبهم إليهم وهم على الانتقام منهم قادرون ، فتاركوها لهم . 
وأما قوله : " والله يحب المحسنين   " ، فإنه يعني : فإن الله يحب من عمل بهذه الأمور التي وصف أنه أعد للعاملين بها الجنة التي عرضها السماوات والأرض ، والعاملون بها هم "المحسنون " ، وإحسانهم ، هو عملهم بها ، . كما : - 
7839 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا سلمة ،  عن ابن إسحاق   : "الذين ينفقون في السراء والضراء " الآية : " والعافين عن الناس والله يحب المحسنين   " ، أي : وذلك الإحسان ، وأنا أحب من عمل به  . 
7840 - حدثنا بشر  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قوله : " الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين   " ، قوم أنفقوا في العسر واليسر ، والجهد والرخاء ، فمن استطاع أن يغلب الشر بالخير فليفعل ، ولا قوة إلا بالله . فنعمت والله يا ابن آدم ، الجرعة تجترعها من صبر وأنت مغيظ ، وأنت مظلوم   . 
7841 - حدثني موسى بن عبد الرحمن  قال : حدثنا محمد بن بشر  قال : حدثنا محرز أبو رجاء ،  عن الحسن  قال : يقال يوم القيامة : ليقم من كان له على الله أجر . فما يقوم إلا إنسان عفا ، ثم قرأ هذه الآية : " والعافين عن الناس والله يحب المحسنين   " .  [ ص: 216 ] 
7842 - حدثنا الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا عبد الرزاق  قال : أخبرنا داود بن قيس ،  عن  زيد بن أسلم ،  عن رجل من أهل الشام  يقال له عبد الجليل ،  عن عم له ، عن  أبي هريرة  في قوله : " والكاظمين الغيظ   " : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من كظم غيظا وهو يقدر على إنفاذه  ، ملأه الله أمنا وإيمانا  . 
7843 - حدثني محمد بن سعد  قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قوله : "والكاظمين الغيظ " إلى "والله يحب المحسنين " ، ف " والكاظمين الغيظ   " كقوله : ( وإذا ما غضبوا هم يغفرون   )  [ ص: 217 ]  [ سورة الشورى : 37 ] ، يغضبون في الأمر لو وقعوا به كان حراما ، فيغفرون ويعفون ، يلتمسون بذلك وجه الله "والعافين عن الناس " كقوله : ( ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة   ) إلى ( ألا تحبون أن يغفر الله لكم   ) [ سورة النور : 22 ] ، يقول : لا تقسموا على أن لا تعطوهم من النفقة شيئا واعفوا واصفحوا  . 


						
						
