( وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون    ( 41 ) ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون   ( 42 ) ( ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون   ( 43 ) إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون   ( 44 ) ) 
يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : وإن كذبك هؤلاء المشركون ، فتبرأ منهم ومن عملهم ، ( فقل لي عملي ولكم عملكم   ) كقوله تعالى : ( قل يا أيها الكافرون  لا أعبد ما تعبدون  ولا أنتم عابدون ما أعبد  ولا أنا عابد ما عبدتم  ولا أنتم عابدون ما أعبد  لكم دينكم ولي دين   ) [ سورة الكافرون ] . وقال إبراهيم الخليل وأتباعه لقومهم المشركين : ( إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده   ) [ الممتحنة : 4 ] . 
وقوله : ( ومنهم من يستمعون إليك   ) أي : يسمعون كلامك الحسن ، والقرآن العظيم ، والأحاديث الصحيحة الفصيحة النافعة في القلوب والأبدان والأديان ، وفي هذا كفاية عظيمة ، ولكن ليس ذلك إليك ولا إليهم ، فإنك لا تقدر على إسماع الأصم - وهو الأطرش - فكذلك لا تقدر على هداية هؤلاء ، إلا أن يشاء الله . 
( ومنهم من ينظر إليك   ) أي : ينظرون إليك وإلى ما أعطاك الله من التؤدة ، والسمت الحسن ، والخلق العظيم ، والدلالة الظاهرة ، على نبوءتك لأولي البصائر والنهى ، وهؤلاء ينظرون كما ينظر  [ ص: 271 ] غيرهم ، ولا يحصل لهم من الهداية شيء مما يحصل لغيرهم ، بل المؤمنون ينظرون إليك بعين الوقار ، والكافرون ينظرون إليك بعين الاحتقار ، ( وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا  إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا   ) [ الفرقان : 41 ، 42 ] . 
ثم أخبر تعالى أنه لا يظلم أحدا شيئا ، وإن كان قد هدى به من هدى [ من الغي ] وبصر به من العمى ، وفتح به أعينا عميا ، وآذانا صما ، وقلوبا غلفا ، وأضل به عن الإيمان آخرين ، فهو الحاكم المتصرف في ملكه بما يشاء ، الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، لعلمه وحكمته وعدله ؛ ولهذا قال تعالى : ( إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون   ) وفي الحديث عن أبي ذر  عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما يرويه عن ربه عز وجل :  " يا عبادي ، إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا - إلى أن قال في آخره : يا عبادي ، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ، ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه "  . رواه مسلم  بطوله . 


						
						
