القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم 
 حدثنا حفص بن عمر ،  حدثنا شعبة  ، عن عمرو  ، عن إبراهيم  ، عن مسروق   : ذكر عبد الله بن عمر   وعبد الله بن مسعود  ، فقال : لا أزال أحبه ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : خذوا القرآن من أربعة : من عبد الله ، وسالم ، ومعاذ بن جبل ، وأبي بن كعب ، رضي الله عنهم . 
وقد أخرجه  البخاري  في المناقب في غير موضع ، ومسلم   والنسائي  من حديث شعبة  ، عن عمرو بن مرة  به . 
وأخرجاه  والترمذي   والنسائي   - أيضا - من حديث الأعمش  عن أبي وائل  ، عن مسروق  به . فهؤلاء الأربعة اثنان من المهاجرين الأولين  عبد الله بن مسعود   وسالم مولى أبي حذيفة  ، وقد كان سالم هذا من سادات المسلمين وكان يؤم الناس قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة ، واثنان من الأنصار معاذ بن جبل  ،  وأبي بن كعب  ، وهما سيدان كبيران ، رضي الله عنهم أجمعين . 
ثم قال : حدثنا عمر بن حفص  ، حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش  ، حدثنا شقيق بن سلمة  قال : خطبنا  [ ص: 52 ] عبد الله  فقال : والله لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة ، والله لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم  . قال شقيق   : فجلست في الحلق أسمع ما يقولون ، فما سمعت رادا يقول غير ذلك . 
حدثنا محمد بن كثير ،  أخبرنا سفيان  ، عن الأعمش  ، عن إبراهيم  ، عن علقمة  قال : كنا بحمص  ، فقرأ ابن مسعود   سورة يوسف فقال رجل : ما هكذا أنزلت ، فقال : قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أحسنت ووجد منه ريح الخمر ، فقال : أتجترئ أن تكذب بكتاب الله وتشرب الخمر ؟ ! فجلده الحد . 
حدثنا عمر بن حفص  ، حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش  ، حدثنا مسلم  ، عن مسروق  قال : قال عبد الله   : والله الذي لا إله غيره ، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت ، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت ، ولو أعلم أحدا أعلم مني تبلغه الإبل لركبت إليه  . 
وهذا كله حق وصدق ، وهو من إخبار الرجل بما يعلم عن نفسه ما قد يجهله غيره ، فيجوز ذلك للحاجة ، كما قال تعالى إخبارا عن يوسف  لما قال لصاحب مصر : ( اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم   ) [ يوسف : 55 ] ، ويكفيه مدحا وثناء قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : استقرئوا القرآن من أربعة ، فبدأ به . 
وقال أبو عبيد   : حدثنا مصعب بن المقدام  عن سفيان  عن الأعمش  عن إبراهيم  ، عن علقمة  ، عن عمر  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على حرف ابن أم عبد  . وهكذا رواه  الإمام أحمد  ، عن أبي معاوية  ، عن الأعمش  به مطولا وفيه قصة ، وأخرجه الترمذي   والنسائي  من حديث أبي معاوية  وصححه  الدارقطني  وقد ذكرته في مسند عمر  وفي مسند  الإمام أحمد   - أيضا - عن  أبي هريرة  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد  وابن أم عبد هو عبد الله بن مسعود  ، وكان يعرف بذلك . 
ثم قال  البخاري   : حدثنا حفص بن عمر  ، حدثنا همام  ، حدثنا قتادة  قال : سألت أنس بن مالك   : من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم  ؟ قال : أربعة ، كلهم من الأنصار : أبي بن كعب  ، ومعاذ بن  [ ص: 53 ] جبل  ،  وزيد بن ثابت  ، وأبو زيد   . ورواه مسلم  من حديث همام   . 
ثم قال  البخاري   : تابعه الفضل ، عن  حسين بن واقد  ، عن ثمامة  ، عن أنس   . 
حدثنا معلى بن أسد  ، حدثنا عبد الله بن المثنى  قال : حدثني ثابت البناني  وثمامة  عن أنس بن مالك  قال : مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة : أبو الدرداء  ،  ومعاذ بن جبل  ،  وزيد بن ثابت  ، وأبو زيد   . قال : ونحن ورثناه  . 
فهذا الحديث ظاهره أنه لم يجمع القرآن من الصحابة سوى هؤلاء الأربعة فقط ، وليس هذا هكذا ، بل الذي لا شك فيه أنه جمعه غير واحد من المهاجرين أيضا ، ولعل مراده : لم يجمع القرآن من الأنصار ؛ ولهذا ذكر الأربعة من الأنصار ، وهم أبي بن كعب  في الرواية الأولى المتفق عليها وفي الثانية من أفراد  البخاري   : أبو الدرداء  ،  ومعاذ بن جبل  ،  وزيد بن ثابت  ، وأبو زيد  ، وكلهم مشهورون إلا أبا زيد  هذا ، فإنه غير معروف إلا في هذا الحديث ، وقد اختلف في اسمه فقال الواقدي   : اسمه قيس بن السكن بن قيس بن زعواء بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار   . 
وقال ابن نمير   : اسمه سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس بن عمرو بن زيد بن أمية من الأوس   . وقيل : هما اثنان جمعا القرآن ، حكاه أبو عمر بن عبد البر  ، وهذا بعيد وقول الواقدي  أصح لأنه خزرجي ؛ لأن أنسا  قال : ونحن ورثناه ، وهم من الخزرج  ، وفي بعض ألفاظه وكان أحد عمومتي . وقال قتادة  عن أنس   : افتخر الحيان الأوس  والخزرج  ، فقالت الأوس   : منا غسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر ،  ومنا الذي حمته الدبر عاصم بن ثابت  ، ومنا الذي اهتز لموته العرش  سعد بن معاذ  ، ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت   . 
فقالت الخزرج   : منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي بن كعب  ،  ومعاذ بن جبل  ،  وزيد بن ثابت  ، وأبو زيد   . 
فهذا كله يدل على صحة قول الواقدي  ، وقد شهد أبو زيد  هذا بدرا ، فيما ذكره غير واحد . وقال  موسى بن عقبة  عن الزهري   : قتل أبو زيد  قيس بن السكن  يوم جسر أبي عبيدة  على رأس خمس عشرة من الهجرة ، والدليل على أن من المهاجرين من جمع القرآن أن الصديق   - رضي الله عنه - قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه إماما على المهاجرين والأنصار ، مع أنه صلى الله عليه وسلم قال : يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فلولا أنه كان أقرؤهم لكتاب الله لما قدمه عليهم . هذا مضمون ما قرره  [ ص: 54 ]  الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري  ، وهذا التقرير لا يدفع ولا شك فيه ، وقد جمع الحافظ ابن السمعاني  في ذلك جزءا ، وقد بسطت تقرير ذلك في كتاب : " مسند الشيخين " ، رضي الله عنهما . ومنهم  عثمان بن عفان  وقد قرأه في ركعة - كما سنذكره -  وعلي بن أبي طالب  يقال : إنه جمعه على ترتيب ما أنزل ، وقد قدمنا هذا . ومنهم  عبد الله بن مسعود  ، وقد تقدم عنه أنه قال : ما من آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت وفيم نزلت ولو علمت أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه المطي لذهبت إليه . ومنهم  سالم مولى أبي حذيفة  ، كان من السادات النجباء والأئمة الأتقياء ، وقد قتل يوم اليمامة  شهيدا . ومنهم الحبر البحر عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم  وترجمان القرآن ، وقد تقدم عن مجاهد  أنه قال : قرأت القرآن على ابن عباس  مرتين ، أقفه عند كل آية وأسأله عنها . ومنهم عبد الله بن عمرو  ، كما رواه  النسائي   وابن ماجه  من حديث  ابن جريج  عن  عبد الله بن أبي مليكة  ، عن يحيى بن حكيم بن صفوان  ، عن عبد الله بن عمرو  قال : جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اقرأه في شهر  . وذكر تمام الحديث . 
ثم قال  البخاري   : حدثنا صدقة بن الفضل  ، حدثنا يحيى  ، عن سفيان  ، عن حبيب بن أبي ثابت  ، عن سعيد بن جبير  ، عن ابن عباس  قال : قال عمر   : علي  أقضانا ، وأبي  أقرأنا ، وإنا لندع من لحن أبي  ، وأبي  يقول : أخذته من في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا أتركه لشيء ، قال الله تعالى : ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها   ) [ البقرة : 106 ] . 
وهذا يدل على أن الرجل الكبير قد يقول الشيء يظنه صوابا وهو خطأ في نفس الأمر ؛ ولهذا قال الإمام مالك   : ما من أحد إلا يؤخذ من قوله ويرد إلا قول صاحب هذا القبر ، أي : فكله مقبول ، صلوات الله وسلامه عليه . ثم ذكر  البخاري  فضل فاتحة الكتاب وغيرها ، وسنذكر فضل كل سورة عندها ليكون ذلك أنسب . ثم قال : 

 
				
 
						 
						

 
					 
					