قوله تعالى : فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون    [ ص: 55 ] قوله تعالى : فوربك لنسألنهم أجمعين  أي لنسألن هؤلاء الذين جرى ذكرهم عما عملوا في الدنيا . وفي  البخاري    : وقال عدة من أهل العلم في قوله : " فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون    " عن لا إله إلا الله . 
قلت : وهذا قد روي مرفوعا ، روى  الترمذي الحكيم  قال : حدثنا الجارود بن معاذ  قال حدثنا الفضل بن موسى  عن شريك  عن ليث  عن بشير بن نهيك  عن أنس بن مالك  عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله : فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون  قال : عن قول لا إله إلا الله قال أبو عبد الله    : معناه عندنا عن صدق لا إله إلا الله ووفائها ; وذلك أن الله - تعالى - ذكر في تنزيله العمل فقال : عما كانوا يعملون  ولم يقل عما كانوا يقولون ، وإن كان قد يجوز أن يكون القول أيضا عمل اللسان ، فإنما المعني به ما يعرفه أهل اللغة أن القول قول والعمل عمل . وإنما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عن لا إله إلا الله أي عن الوفاء بها والصدق لمقالها . كما قال  الحسن البصري    : ليس الإيمان بالتحلي ولا الدين بالتمني ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال   . ولهذا ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة قيل : يا رسول الله ، وما إخلاصها ؟ قال : أن تحجزه عن محارم الله   . رواه  زيد بن أرقم    . وعنه أيضا قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله عهد إلي ألا يأتيني أحد من أمتي بلا إله إلا الله لا يخلط بها شيئا إلا وجبت له الجنة قالوا : يا رسول الله ، وما الذي يخلط بلا إله إلا الله ؟ قال : حرصا على الدنيا وجمعا لها ومنعا لها ، يقولون قول الأنبياء ويعملون أعمال الجبابرة   . وروى أنس بن مالك  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا إله إلا الله تمنع العباد من سخط الله ما لم   [ ص: 56 ] يؤثروا صفقة دنياهم على دينهم فإذا آثروا صفقة دنياهم على دينهم ثم قالوا لا إله إلا الله ردت عليهم وقال الله كذبتم   . أسانيدها في نوادر الأصول . 
قلت : والآية بعمومها تدل على سؤال الجميع ومحاسبتهم كافرهم ومؤمنهم ، إلا من دخل الجنة بغير حساب على ما بيناه في كتاب ( التذكرة ) . فإن قيل : وهل يسأل الكافر ويحاسب ؟  قلنا : فيه خلاف وذكرناه في التذكرة . والذي يظهر سؤاله للآية وقوله : وقفوهم إنهم مسئولون  وقوله : إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم    . فإن قيل : فقد قال - تعالى - : ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون  وقال : فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان  ، وقال : ولا يكلمهم الله  ، وقال : إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون    . قلنا : القيامة مواطن ، فموطن يكون فيه سؤال وكلام ، وموطن لا يكون ذلك فيه . قال عكرمة    : القيامة مواطن ، يسأل في بعضها ولا يسأل في بعضها    . وقال ابن عباس    : ( لا يسألهم سؤال استخبار واستعلام هل عملتم كذا وكذا ; لأن الله عالم بكل شيء ، ولكن يسألهم سؤال تقريع وتوبيخ فيقول لهم : لم عصيتم القرآن وما حجتكم فيه ؟ واعتمد قطرب  هذا القول . وقيل : لنسألنهم أجمعين  يعني المؤمنين المكلفين ; بيانه قوله - تعالى - : ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم    . والقول بالعموم أولى كما ذكر . والله أعلم . 


						
						
