الآية الثالثة قوله تعالى : { ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون    } . 
فيها مسألتان : المسألة الأولى لا خلاف أن هذه الآية في الكفار بنص القرآن ، لقوله في أولها : { ويوم يعرض الذين كفروا على النار    } ، أي فيقال لهم : أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا ، يريد أفنيتموها في الكفر بالله ومعصيته ، وإن الله أحل الطيبات من الحلال واللذات  ، وأمر باستعمالها في الطاعات ، فصرفها الكفار إلى الكفر فأوعدهم الله بما أخبر به عنهم ، وقد يستعملها المؤمن في المعاصي ، يدخل في وعيد آخر وتناله آية أخرى برجاء المغفرة ، ويرجع أمره إلى المشيئة ، فينفذ الله فيه ما علمه منه وكتبه له . 
المسألة الثانية : روي أن  عمر بن الخطاب  لقى  جابر بن عبد الله  ، وقد ابتاع لحما بدرهم ، فقال له : أما سمعت الله تعالى يقول : { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها    } وهذا عتاب منه له على التوسع بابتياع اللحم والخروج عن جلف الخبز والماء ; فإن تعاطي الطيبات من الحلال تستشري لها الطباع ، وتستمر عليها العادة ، فإذا فقدتها استسهلت في تحصيلها بالشبهات ، وحتى تقع في الحرام المحض بغلبة العادة ، واستشراه الهوى على النفس الأمارة بالسوء ، فأخذ  عمر  الأمر من أوله ، وحماه من ابتدائه كما يفعله مثله . 
 [ ص: 107 ] والذي يضبط هذا الباب ويحفظ قانونه : على المرء أن يأكل ما وجد طيبا كان أو قفارا ، ولا يتكلف الطيب  ، ويتخذه عادة ; وقد كان صلى الله عليه وسلم يشبع إذا وجد ، ويصبر إذا عدم ، ويأكل الحلوى إذا قدر عليها ، ويشرب العسل إذا اتفق له ، ويأكل اللحم إذا تيسر ، ولا يعتمده أصلا ، ولا يجعله ديدنا ، ومعيشة النبي صلى الله عليه وسلم معلومة ، وطريقة أصحابه بعد منقولة ; فأما اليوم عند استيلاء الحرام ، وفساد الحطام ، فالخلاص عسير ، والله يهب الإخلاص ، ويعين على الخلاص برحمته . 
وقد روي أن  عمر بن الخطاب  قدم عليه ناس من العراق  فرأى القوم كأنهم يتقززون في الأكل ، فقال : ما هذا يا أهل العراق  ؟ ولو شئت أن يدهمق لي كما يدهمق لكم ، ولكنا نستبقي من دنيانا ما نجده في آخرتنا . ألم تسمعوا أن الله تعالى ذكر قوما فقال : { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها    } . 

 
				
 
						 
						

 
					 
					