[ ص: 20 ] الآية الرابعة قوله تعالى : { ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين    } . 
المراد بهذه الآية : المراد بهذه الآية وما بعدها المنافقون الذين أظهروا الإيمان ، وأسروا الكفر ، واعتقدوا أنهم يخدعون الله تعالى  ، وهو منزه عن ذلك فإنه لا يخفى عليه شيء . 
وهذا دليل على أنهم لم يعرفوه ، ولو عرفوه لعرفوا أنه لا يخدع ، وقد تكلمنا عليه في موضعه . 
والحكم المستفاد هاهنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل المنافقين مع علمه بهم وقيام الشهادة عليهم أو على أكثرهم . 
اختلاف العلماء في سبب عدم قتل المنافقين    : واختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال : الأول : أنه لم يقتلهم ; لأنه لم يعلم حالهم سواه ، وقد اتفق العلماء عن بكرة أبيهم على أن القاضي لا يقتل بعلمه ، وإن اختلفوا في سائر الأحكام هل يحكم بعلمه أم لا ؟ . 
الثاني : أنه لم يقتلهم لمصلحة وتألف القلوب عليه لئلا تنفر عنه . 
وقد أشار هو صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى ، فقال : { أخاف أن يتحدث الناس أن محمدا  صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه   } . 
الثالث : قال أصحاب  الشافعي    : إنما لم يقتلهم لأن الزنديق وهو الذي يسر الكفر  [ ص: 21 ] ويظهر الإيمان يستتاب ولا يقتل . 
وهذا وهم من علماء أصحابه ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستتبهم ، ولا يقول أحد : إن استتابة الزنديق  غير واجبة . 
وكان النبي صلى الله عليه وسلم معرضا عنهم ، مع علمه بهم ، فهذا المتأخر من أصحاب  الشافعي  الذي قال : إن استتابة الزنديق  جائزة 
قال ما لم يصح قولا واحدا . 
وأما قول من قال : إنه لم يقتلهم ; لأن الحاكم لا يقضي بعلمه في الحدود ، فقد قتل بالمجذر بن زياد  بعلمه الحارث بن سويد بن الصامت    ; لأن المجذر  قتل أباه سويدا  يوم بعاث  ، فأسلم الحارث  ، وأغفله يوم أحد  الحارث  فقتله ، فأخبر به جبريل  النبي صلى الله عليه وسلم فقتله به ; لأن قتله كان غيلة ، وقتل الغيلة  حد من حدود الله عز وجل . 
القول الصحيح : والصحيح : أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أعرض عنهم تألفا ومخافة من سوء المقالة الموجبة للتنفير ، كما سبق من قوله . 
وهذا كما كان يعطي الصدقة للمؤلفة قلوبهم مع علمه بسوء اعتقادهم تألفا لهم ، أجرى الله سبحانه أحكامه على الفائدة التي سنها إمضاء لقضاياه بالسنة التي لا تبديل لها . 


						
						
