الآية الثامنة قوله تعالى : { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا  فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا    } . فيها خمس مسائل : 
المسألة الأولى : قوله : { فقد جعلنا لوليه    } : المعنى للقريب منه ، مأخوذ من الولي ، وهو القرب على ما حققناه في " كتاب الأمد الأقصى " والقرب في المعاني ليس بالمسافة ، وإنما هو بالصفات ، والصفة التي بها كان قريبا هي النسب الذي هو البعضية ، فكل من كان ينتسب إليه بنوع من أنواع البعضية فهو ولي . 
واختلف العلماء في ذلك حسبما بيناه في مواضع كثيرة ; فمنهم من قال : هو الوارث مطلقا ، فكل من ورثه فهو وليه . وعلى ذلك ورد لفظ الولاية في القرآن . وتحقيق ذلك أن الله تعالى أوجب القصاص ردعا عن الإتلاف ، وحياة للباقين ; وظاهره أن يكون حقا لجميع الناس ، كالحدود والزواجر عن السرقة والزنا ، حتى لا  [ ص: 195 ] يختص بها مستحق ، بيد أن البارئ تعالى استثنى القصاص من هذه القاعدة ، وجعله للأولياء الوارثين ، ليتحقق فيه العفو الذي ندب إليه في باب القتل ، ولم يجعل عفوا في سائر الحدود ، لحكمته البالغة ، وقدرته النافذة ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : { من قتل له قتيل فهو بخير النظرين بين أن يقتل أو يأخذ الدية   } . 
وكانت هذه كما تقدم ذكره خاصية أعطيتها هذه الأمة ، تفضلا وتفضيلا ، وحكمة وتفصيلا ، فخص بذلك الأولياء ، ليتصور العفو ، أو الاستيفاء لاختصاصه بالحزن ، فإذا ثبت هذا ، وهي : 
المسألة الثانية : فقد اختلف قول  مالك  في دخول النساء في الدم ، فإذا قال بدخولهن فيه ، فلعموم الآية ، وإذا قال بخروجهن عنه فلأن طلب القصاص مبناه على النصر والحماية ، وليست المرأة من أهلها ، وإليه وقعت الإشارة بقوله : { إنه كان منصورا    } . فإذا قلنا بدخولهن فيه ، وهي الرواية الأخرى ففي أي شيء يكون دخولهن ؟ في ذلك روايتان : 
إحداهما : في القود دون العفو . ووجهه أن الغرض استبقاؤه لحصول الحياة ، والتشفي من عدم النصير ، وعظيم الحزن على الفقيد ; والنساء بذلك أخص . 
والثانية : أن دخولهن في العفو دون القود تغليبا لجانب الإسقاط الذي يغلب في الحدود ; فمن أي وجه وجدنا الإسقاط ، وإن ضعف أمضيناه . 
انتصاف ذكر علي بن محمد الطبري   عن  إسماعيل بن إسحاق القاضي  أنه احتج على منع النساء من الدخول في الآية بوجوه ركيكة ، منها : أن الولي في ظاهره على التذكير وهو واحد ; ولم يعلم أن ما كان بمعنى الجنس استوى المذكر والمؤنث فيه . قال القاضي    : لم ينصف الطبري  من وجهين : أحدهما أنه لم يستوف كلام  إسماعيل  ، واستركه قبل استيفائه ، فالركيك هو قوله الذي لم يتم ; وتمام قول  إسماعيل  هو أنه  [ ص: 196 ] قال : إن الولي هاهنا على التذكير ; لأنه واحد في معنى الجنس ، كما قال : { إن الإنسان لفي خسر    } فيمكن أن يكون ولي القتيل واحدا ، ويمكن أن يكون جماعة ، ولا تدخل المرأة في جملة الأولياء  ، كما دخلت في جملة الناس حين قال : { إن الإنسان لفي خسر    } ; لأنها في هذا الموضع معناها ومعنى الرجل سواء ; إذ كان الخير وعمل الصالحات إنما هو شيء يخصهما في أنفسهما والولي يكون وليا لغيره ، وهو واحد أو أكثر ، والمرأة لا تستحق الولاية كلها . قال الطبري    : قال  إسماعيل    : المرأة لا تستحق كل القصاص ، و القصاص لا بعض له ; فلزمه من ذلك إخراج الزوج من الولاية . 
قال ابن العربي    : تبصر أيها الطبري  ما قاله  إسماعيل  المالكي : إنما لا تستحق المرأة الولاية كلها ; لأنها ليست بكاملة ، لا في شهادة ولا في تعصيب ; فكيف تضعف عن الكمال في أضعف الأحكام ، ويثبت القصاص لها على الكمال ، أين يا طبري   تحقيق شيخك إمام الحرمين   من هذا الكلام ، وأما احتجاجك بالزوج فهو الركيك من القول ; فإن الزوج لا مدخل له في ولاية الدم . قال الطبري    : قال  إسماعيل    : المقصود من القصاص تقليل القتل ، والمقصود بكثرة القتل الرجال دون النساء ، ويلزم على هذا ألا يجري القصاص بين الرجال والنساء . قال القاضي أبو بكر    : إما أن فكيك ضعفا عن لوك ما قاله  إسماعيل  ، وإما تعاميت عمدا ، وذلك لأن القتل والاعتداء إنما شأنه الغوائل والشحناء ، وهي بين الرجال دون النساء ، ولا يقتل على الغائلة امرأة إلا دنيء الهمة ، ويعير به بقية الدهر ; فكان ذلك واقعا في الغالب على الرجال دون النساء ، فوقع القول بجزاء ذلك ، وهو القصاص على الرجال دون النساء إذ خروج الكلام على غالب الأحوال هي الفصاحة العربية ، والقواعد الدينية . وقد تفطن لذلك شيخك إمام الحرمين   ، فجعله أصلا من أصول الفقه ، ورد إليه كثيرا من مسائل الاجتهاد ; فكيف ذهلت عنه ، وأنت تحكيه وتعول في تصانيفك عليه ، 


						
						
