[ ص: 460 ] مطلب : في معنى الخوف ومراتبه    : ورجح على الخوف الرجا عند بأسه ولاق بحسن الظن ربك تسعد   ( ورجح ) أي غلب وميز ، من رجح الميزان يرجح مثلثة رجوحا ورجحانا مال ( على الخوف ) ضد الأمن وهو في اللغة الفزع . قال الإمام المحقق في شرح منازل السائرين : الوجل والخوف والخشية والرهبة ألفاظ متقاربة غير مترادفة . قال أبو القاسم الجنيد  رضي الله عنه : الخوف توقع العقوبة على مجاري الأنفاس . وقيل الخوف اضطراب القلب وحركته من تذكر المخوف . وقيل الخوف قوة العلم بمجاري الأحكام . 
قال ابن القيم    : هذا سبب الخوف لا نفسه . وقيل الخوف هرب القلب من حلول المكروه عند استشعاره . وفي متن منازل السائرين : الخوف الانخلاع عن طمأنينة الأمن بمطالعة الجزاء . قال المحقق : والخشية أخص من الخوف فإنها للعلماء بالله . 
قال تعالى { إنما يخشى الله من عباده العلماء     } فهي خوف مقرون بمعرفة . { وقال النبي  صلى الله عليه وسلم إني أتقاكم لله وأشدكم له خشية    } فالخوف حركة ، والخشية انجماع وانقباض وسكون . فإن الذي يرى العدو والسيل ونحو ذلك له حالتان : 
إحداهما : حركته للهرب منه وهي حالة الخوف . 
والثانية : سكونه وقراره في مكان لا يصل إليه وهي الخشية . 
قال وأما الرهبة فهي الإمعان في الهرب من المكروه ، وهي ضد الرغبة التي هي سفر القلب في طلب المرغوب فيه . وبين الرهب والهرب تناسب في اللفظ والمعنى يجمعهما الاشتقاق الأوسط الذي هو عقد تقاليب الكلمة على معنى جامع . وأما الوجل فرجفان القلب وانصداعه لذكر من يخاف سلطانه وعقوبته أو لرؤيته . 
وأما الهيبة فخوف مقارن للتعظيم والإجلال وأكثرها تكون مع المعرفة والمحبة . والإجلال تعظيم مقرون بالحب . فالخوف لعامة المؤمنين ، والخشية للعلماء العارفين ، والهيبة للمحبين ، والإجلال للمقربين ، وعلى قدر العلم يكون الخوف والخشية كما قال  صلى الله عليه وسلم { إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية    } وقال { لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم  [ ص: 461 ] كثيرا ، ولما تلذذتم بالنساء على الفرش ، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى    } انتهى . 
فالخوف سوط يسوق المتمادي ، ويقوم الأعوج ، ويلين القاسي ، ويطوع المستصعب . وليس هو مقصودا لذاته بخلاف الرجاء ، فمن ثم ينبغي أن يرجح على الخوف . ( الرجا ) بالمد ، وقصره لضرورة الوزن ضد اليأس . قال في المطالع والجمهرة : فعلت رجاء كذا ورجاء كذا بمعنى طمعي فيه وأملي . 
قال ويكون أيضا الرجاء كذلك ممدودا بمعنى الخوف ، ومنه الحديث { إنا لنرجو ونخاف أن نلقى العدو غدا    } قال الله تعالى { ما لكم لا ترجون لله وقارا     } أي لا تخافون عظمة . ومن كان يرجو لقاء ربه أي يخاف . يقال في الأمل رجوت ورجيت ، وفي الخوف بالواو لا غير . قال بعضهم : إذا استعملته العرب في الخوف ألزمته لأحرف النفي ولم تستعمله مفردا إلا في الأمل والطمع وفي ضمنه الخوف ، إلا أن يكون ما يؤمله . قال في المطالع : وهذا الحديث يرد قول هذا فقد استعملته بغير لا . انتهى . 
وقال الإمام المحقق في شرح منازل السائرين : الخوف مستلزم للرجاء ، والرجاء مستلزم للخوف ، فكل راج خائف ، وكل خائف راج ، ولأجل هذا حسن وقوع الرجاء في موضع يحسن فيه وقوع الخوف . قال تعالى { ما لكم لا ترجون لله وقارا     } قال كثير من المفسرين : المعنى ما لكم لا تخافون لله عظمة . قالوا : والرجاء بمعنى الخوف . قال : والتحقيق أنه ملازم له ، فكل راج خائف من فوات مرجوه ، والخوف بلا رجاء يأس وقنوط . 
وقال تعالى { قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله     } قالوا في تفسيرها لا يخافون وقائع الله بهم كوقائعه بمن قبلهم من الأمم . انتهى . 
واعلم أن العبد المؤمن لا بد أن يجمع بين الرجاء والخوف ، وينبغي أن يكونا متعادلين كجناحي الطائر . وذكر جماعة أنه يغلب الخوف مطلقا ، وقيل يغلب الرجاء مطلقا ، وقيل يغلب الخوف في الصحة والرجاء في المرض ، واختاره الناظم وإليه أشار بقوله ( عند بأسه ) أي سقمه ومرضه . 
والبأس العذاب والشدة في الحرب . وبئس كسمع بؤسا اشتدت حاجته . والبأساء  [ ص: 462 ] الداهية . والمراد هنا عند ضعفه . وعند الحنفية يغلب الشاب الرجاء والشيخ الخوف . 
قال في الفروع : ويغلب يعني المريض رجاءه ، وفي الصحة يغلب الخوف لحمله على العمل وفاقا للشافعية ، وقاله  الفضيل بن عياض  رضي الله عنه وغيره . ونص الإمام  رضي الله عنه : ينبغي للمؤمن أن يكون رجاؤه وخوفه واحدا . زاد في رواية فأيهما غلب صاحبه هلك . قال شيخنا . وهذا هو العدل ، ولهذا من غلب عليه حال الخوف أوقعه في نوع من اليأس والقنوط ، إما في نفسه ، وإما في أمور الناس ، ومن غلب عليه حال الرجاء بلا خوف أوقعه في نوع من الأمن لمكر الله ، إما في نفسه وإما في الناس . 
قال : والرجاء بحسب رحمة الله التي سبقت غضبه يجب ترجيحه كما { قال تعالى أنا عند حسن ظن عبدي بي فليظن بي خيرا    } وأما الخوف فيكون بالنظر إلى تفريط العبد وتعديه ، فإن الله عدل لا يأخذ إلا بالذنب ، انتهى كلامه في الفروع . 

 
				
 
						 
						

 
					 
					