وروى أحمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن يزيد الرشك عن معاذة عن هشام بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يحل لمسلم أن يهجر مسلما فوق ثلاث فإنهما ناكبان عن الحق ما داما على إصرارهما ، وأولهما فيئا يكون سبقه بالفيء كفارة له ، فإن سلم فلم يقبل ورد عليه سلامه ردت عليه الملائكة ورد عليه الشيطان ، وإن ماتا على إصرارهما لم يدخلا الجنة جميعا أبدا } إسناده جيد .
[ ص: 253 ] وعن أبي هريرة مرفوعا { لا يحل لمؤمن أن يهجر مؤمنا فوق ثلاث فإن مرت به ثلاث ، فليلقه فليسلم عليه ، فإن رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر ، وإن لم يرد عليه فقد باء بالإثم ، وخرج المسلم من الهجرة } رواه أبو داود . حدثنا أحمد بن سعيد السرخسي أن أبا عامر أخبرهم حدثنا محمد بن هلال حدثني أبي عن أبي هريرة فذكره ، وقال : " إذا كانت الهجرة لله عز وجل فليس من هذا في شيء عمر بن عبد العزيز غطى وجهه عن رجل انتهى كلامه " . أبو عامر هو العقدي عبد الملك بن عمرو وهلال لم يرو عنه غير ابنه ووثقه ابن حبان وباقيه جيد . ولأبي داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه " فإن فوق ثلاث فمات دخل النار " حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن خالد حدثنا ابن عثمان حدثنا عبد الله بن المسيب أخبرني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا فذكره وفيه " فإذا لقيه سلم عليه ثلاث مرات كل ذلك لا يرد عليه باء بإثمه " حديث حسن .
وروى أبو حفص عن أبي هريرة مرفوعا { السلام يقطع الهجران } وذكر النواوي رحمه الله أن مذهب مالك والشافعي ، ومن وافقهما يزول الهجر المحرم بالسلام ، وقال أحمد وابن القاسم المالكي إن كان يؤديه لم يقطع السلام هجرته . انتهى كلامه .
وقال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن السلام يقطع الهجران ؟ فقال : قد يسلم عليه وقد صد عنه ، ثم قال أبو عبد الله : النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا } فإذا كان قد عوده أن يكلمه ، وأن يصافحه ، ثم قال : إلا أنه ما كان من هجران في شيء يخالف عليه فيه الكفر فهو [ ص: 254 ] جائز ، ثم قال أبو عبد الله : النبي صلى الله عليه وسلم قال في قصة كعب بن مالك حين خاف عليهم ولم يدر ما يقول فيهم : " لا تكلموهم " قيل لأبي عبد الله : عمر قال في صبيغ : لا تجالسوه ، قال : المجالسة الآن غير الكلام قلت لأبي عبد الله : كان لي جار يشرب المسكر أسلم عليه ؟ فسكت ، وقد قال لي في بعض هذا الكلام : لا تسلم عليه ولا تجالسه . قال القاضي : في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ظاهر كلام أحمد أنه لا يخرج من الهجرة بمجرد السلام بل يعود إلى حاله مع المهجور قبل الهجرة ، وذكر رواية الأثرم وقول أحمد في رواية محمد بن حبيب وقد سئل عن الرجل لا يكلم الرجل أيجربه السلام من الصرم ؟ فقال : أتخوف من أجل أنهما يصد أحدهما عن صاحبه ، وقد كانا متآنسين يلقى أحدهما صاحبه بالبشر إلا أن يتخوف منه نفاقا قال : وإنما لم يجعله أحمد خارجا من الهجرة بمجرد السلام حتى يعود إلى عادته معه في الاجتماع والمؤانسة ; لأن الهجرة لا تزول إلا بعوده إلى عادته معه انتهى كلام القاضي وتقدم قول أحمد في الذي تشتمه ابنة عمه إذا لقيها : سلم عليها اقطع المصارمة ؟ فظاهره أن السلام يقطعها مطلقا ، وظاهر قول أصحابنا أن الهجر محرم لا يزول بغير ذلك ، ونص عليه الشافعي رواه عنه البيهقي ، ويتوجه على قول من جعل من أصحابنا الكتابة والمراسلة كلاما أن يزول الهجر المحرم بها . ثم وجدت ابن عقيل ذكره وللشافعي وجهان قال الشيخ محيي الدين النواوي : وأصحهما يزول لزوال الوحشة . انتهى كلامه . وأنشد بعضهم :
لا تلتمس من مساوي الناس ما ستروا فيكشف الله سترا من مساويكا واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا
ولا تعب أحدا منهم بما فيكا واستغن بالله عن كل فإن به
غنى لكل وثق بالله يكفيكا
وسئل أيضا عن غيبة تارك الصلاة ، فقال : إذا قيل عنه : إنه تارك الصلاة وكان تاركها فهذا جائز ، وينبغي أن يشاع ذلك عنه ، ويهجر حتى يصلي .
وقال الشيخ تقي الدين في المستتر : ويذكر أمره على وجه النصيحة ، وقال أيضا : يجب أن يكون على وجه النصح ، وابتغاء وجه الله تعالى ، وإن تصدق بعرضه على من اغتابه قبل أن يغتابه ، فإسقاط للحق قبل وجود سببه ، وحديث أبي ضمضم أنه كان يتصدق بعرضه إذا أصبح لعل المراد من غيبته وقعت مع أنا لا نسلم صحته .



