[ ص: 211 ] ثم دخلت سنة سبع وستين ومائتين 
فمن الحوادث فيها : 
أن الزنج  دخلوا واسطا  ، واتصل الخبر بأبي أحمد الموفق  ، فندب ولده أبا العباس  لحربهم  ، فخرج في عشرة آلاف فبالغ في حربهم ، وغنم من أموالهم شيئا كثيرا ، واستنقذ من النساء اللواتي كن في أيدي الزنج  خلقا كثيرا ، فردهن إلى أهلهن ، وأقام حتى وافاه أبوه أبو أحمد  لحرب الزنج  ، فحاربهم واستنقذ من المسلمات زهاء خمسة عشر ألف امرأة ، فأمر بحملهن إلى واسط  ليدفعهن إلى أوليائهن ، ثم اجتمع أبو أحمد  وولده على قتالهم ، وألجئوهم إلى مدينة قد بنوها وحصنوها ، وحفروا حولها الخنادق ، ثم أجلوهم عن المدينة ، واحتوى أبو أحمد  وأصحابه على كل ما كان فيها من الذخائر والأموال والأطعمة والمواشي ، وبعث جندا في طلبهم حتى جاوزوا البطائح   . 
ثم ارتحل أبو أحمد  إلى الأهواز  ، وكتب إلى رئيس الزنج  كتابا يدعوه فيه إلى التوبة والإنابة إلى الله عز وجل ، مما ركب من سفك الدماء ، وانتهاك المحارم ، وإخراب البلدان ، واستحلال الفروج والأموال ، [ وانتحال ما لم يجعله الله عز وجل له أهلا من النبوة والرسالة ، وإن هو نزع عما هو عليه من الأمور التي ] يسخطها الله عز وجل ، ودخل في جماعة المسلمين ، يمحي ذلك ما سلف من عظيم جرائمه ، وكان له به الحظ الجزيل في دنياه . 
 [ ص: 212 ] فلما وصل الكتاب إليه لم يزده ذلك إلا نفورا وإصرارا ، ولم يجب عنه بشيء فسار أبو أحمد  بأصحابه ، وهم زهاء ثلاثمائة ألف إلى مدينته التي سماها المختارة  من نهر أبي الخصيب  ، فرأى من تحصينها بالسور والخنادق ، وما قد عور عن الطريق المؤدية إليها ، وإعداد المجانيق والعرادات ما لم ير مثله ، فأمر أبو أحمد  ابنه بالتقدم إلى السور ، ورمي من عليه بالسهام ، ففعل ، ثم نادى بالأمان ، ورمى بذلك رقاعا إلى عسكر القوم ، فمالت قلوبهم ، فجاء منهم كثير ، وعلم أبو أحمد  أنه لا بد من المصابرة ، فعسكر بالمدينة التي سماها الموفقية  ، وجهز التجار إليها ، واتخذت بها الأسواق . وقد كانت هذه المدينة انقطعت سبلها بأولئك الأعداء ، وبنى أبو أحمد  مسجد الجامع ، واتخذ دور الضرب ، فضربت الدنانير والدراهم ، وأدر للناس العطاء . 
وفي ذي الحجة لست بقين منه : عبر أبو أحمد  بنفسه إلى مدينة القوم لحربهم ، وكان السبب أن الرؤساء من أصحاب الفاسق لما رأوا ما قد حل بهم من القتل والحصار ، مالوا إلى الأمان ، وجعلوا يهربون في كل وجه ، فوكل الخبيث  بطريق الهرب أحراسا ، فأرسل جماعة من قواده إلى الموفق  يسألونه الأمان ، وأن يوجه لمحاربتهم جيشا ليجدوا إلى المصير إليهم سبيلا ، فأمر أبا العباس  بالمصير في جماعة إلى أناحيتهم ، فالتقوا فاحتربوا ، وظفر أبو العباس  وصار إلى القواد الذين طلبوا الأمان ، وعبر الموفق  بجيشه للمحاربة يوم الأربعاء لست بقين من ذي الحجة ، وقصد ركنا من أركان المدينة ، فغلبوا عليه ، ونصبوا عليه علما ، وأحرقوا ما كان على سورهم من منجنيق وعرادة ، ثم ثلموا في السور عدة ثلم ، ومد جسرا على خندقهم ، فعبر الناس [ فحملوا على ] الزنج  فكشفوهم .  [ ص: 213 ] 
وفي هذه السنة : وثب  أحمد بن طولون  بأحمد بن المدبر   ، وكان يتولى خراج دمشق  ، والأردن  ، وفلسطين  ، فحبسه وأخذ أمواله ، وصالحه على ستمائة ألف دينار . 
وحج بالناس في هذه السنة : هارون بن محمد   . 


						
						
