[ذكر قصة شعيا بن أمصيا  وخراب بيت المقدس]  
وقد جعلوه بعد يونس  وقبل زكريا ،  وهو الذي بشر بعيسى  ومحمد  صلى الله عليهم . 
قال  ابن إسحاق:  هو الذي قال لإيليا  وهي قرية ببيت المقدس ، واسمها  "أورى شلم" ،  فقال: أبشري أورى شلم ،  يأتيك الآن راكب الحمار ، يعني عيسى ،  ويأتيك بعده راكب البعير ، يعني محمدا  صلى الله عليه وسلم . 
وقال: كان في بني إسرائيل ملك يدعى صدقيا ،  وكان إذا ملك الملك عليهم بعث الله تعالى نبيا يسدده ويرشده ويكون فيما بينه وبين الله عز وجل ، ولا تنزل عليهم الكتب ، إنما يؤمرون باتباع التوراة . 
فلما ملك ذلك الملك بعث الله معه شعيا ،  فملك ذلك الملك بني إسرائيل وبيت المقدس زمانا . فلما انقضى ملكه عظمت فيهم الأحداث وشعيا  معه ، فبعث الله سنحاريث  معه ستمائة ألف راية ، فأقبل سابيا حتى نزل [حول] بيت المقدس والملك مريض ، في ساقه قرحة ، فجاءه النبي شعيا ،  فقال له: يا ملك بني إسرائيل ، إن سنحاريث  ملك بابل  قد نزل بك هو وجنوده ستمائة ألف راية ، فكبر ذلك على الملك ، فقال: يا نبي الله ، هل أتاك وحي من الله كيف يفعل الله بنا وبسنحاريث  وجنوده؟ قال: لا . 
فبينا هم على ذلك أوحى الله تعالى إلى شعيا:  أرأيت ملك بني إسرائيل فمره أن يوصي وصيته ويستخلف على ملكه من يشاء من أهل بيته . 
 [ ص: 398 ] 
فأتى النبي شعيا  ملك بني إسرائيل فأخبره ، فأقبل على القبلة فصلى وسبح ودعا وبكى ، وقال وهو يبكي ويتضرع إلى الله: زدني في عمري ، فأوحى الله إلى شعيا  أن يخبر الملك أن ربه قد رحمه وقد أخر أجله خمس عشرة سنة ، وأنجاه من عدوه . فقال الملك لشعيا:  سل ربك أن يجعل لنا علما بما هو صانع بعدونا هذا . 
قال: فقال الله لشعيا:  قل له إني قد كفيتك عدوك وأنجيتك منهم ، وأنهم سيصبحون موتى كلهم إلا سنحاريث  وخمسة من كتابه . 
فلما أصبح جاء صارخ فصرخ على باب المدينة: يا ملك بني إسرائيل ، إن الله قد كفاك عدوك ، فاخرج فإن سنحاريث  ومن معه قد هلكوا . 
فلما خرج [الملك] التمس سنحاريث  فلم يوجد في الموتى ، فبعث الملك في طلبه ، فأدركه الطلب في مغارة هو وخمسة من كتابه أحدهم بخت نصر ،  فجعلوهم في الجوامع ، ثم أتوا بهم ملك بني إسرائيل ، فلما رآهم خر ساجدا ، ثم قال لسنحاريث:  كيف ترى فعل ربنا بكم؟ ألم يقتلكم بحوله وقوته ونحن وأنتم غافلون! فقال سنحاريث  له: قد أتاني خبر ربكم ونصره إياكم ورحمته التي رحمكم بها قبل أن أخرج من بلادي ، فلم أطع مرشدا ، ولم يلقني في الشقوة إلا قلة عقلي . 
فقال ملك بني إسرائيل: إن ربنا إنما أبقاك ومن معك لتخبروا من وراءكم بما رأيتم من فعل ربنا ، ولتنذروا من بعدكم . 
ثم أمر أمير حرسه فقذف في رقابهم الجوامع ، وطاف بهم سبعين يوما حول بيت المقدس ، وكان يرزقهم في كل يوم خبزتين من شعير لكل رجل منهم . فقال سنحاريث  لملك بني إسرائيل: القتل خير مما تفعل بنا ، فافعل ما أمرت . 
فأمر بهم إلى سجن القتل ، فأوحى الله إلى شعيا  النبي: أن قل لملك بني إسرائيل يرسل سنحاريث  ومن معه لينذروا من وراءهم  ، وليكرمهم وليحملهم حتى يبلغوا بلادهم . 
فبلغ النبي شعيا ذلك الملك ، ففعل ، فخرج سنحاريث  ومن معه حتى قدموا بابل ،  فلما قدموا جمع الناس فأخبرهم كيف فعل الله بجنوده ، ثم لبث سنحاريث  بعد ذلك سبع سنين ثم مات . 
 [ ص: 399 ] 
وقد زعم بعض أهل الكتاب أن هذا الملك من بني إسرائيل الذي سار إليه سنحاريث  كان أعرج ، وكان عرجه من عرق النسا ، وأن سنحاريث  إنما طمع في مملكته لزمانته وضعفه ، وأنه قد كان سار إليه قبل سنحاريث  ملك من ملوك بابل  يقال له "ليفر" ، وكان بخت نصر  ابن عمه وكاتبه ، وأن الله أرسل عليه ريحا أهلكت جيشه ، وأفلت هو وكاتبه ، وأن هذا البابلي قتله ابن له ، وأن بخت نصر  غضب لصاحبه فقتل ابنه الذي قتل أباه ، وأن سنحاريث  سار بعد ذلك إليه ، وكان مسكنه نينوى  مع ملك أذربيجان  يومئذ ، وكان يدعى سلمان الأعسر ،  وأن سنحاريث  وسلمان  اختلفا ، فتحاربا حتى تفانى جنداهما ، وصار ما كان معهما غنيمة لبني إسرائيل . 
وقال بعضهم: بل الذي غزاه سنحاريث  حزقيا  صاحب شعيا ،  وأنه لما أحاط ببيت المقدس بجنوده بعث الله تعالى ملكا ، فقتل من أصحابه في ليلة واحدة مائة ألف وخمسة وثمانين ألفا . 
وكان ملكه إلى أن توفي تسعا وعشرين سنة . 
ثم ملك بعده ابنه  "منشا بن حزقيا"  إلى أن توفي خمسا وخمسين سنة . 
ثم ملك بعده ابنه  "أمون"  إلى أن قتله أصحابه اثنتي عشرة سنة . 
ثم ملك ابنه  "يوشيا"  إلى أن قتله فرعون المقعد ملك مصر  إحدى وعشرين سنة . 
ثم ملك بعده ابنه  "ياهواحاز"  فغزاه فرعون المقعد فأسره وأشخصه إلى مصر ،  وملك  "يوثاقيم بن ياهواحاز"  على ما كان عليه أبوه ، ووظف عليه خراجا يؤديه إليه ، فبقي كذلك اثنتي عشرة سنة . 
ثم ملك بعده ابنه  "يوثاحين" ،  فغزاه بخت نصر ، فأسره وأشخصه إلى بابل  بعد ثلاثة أشهر من ملكه ، وملك مكانه  "شيا"  عمه وسماه "صديقيا" فخالفه ، فغزاه فظفر  [ ص: 400 ] به ، فذبح ولده بين يديه ، وسمل عينيه وحمله إلى بابل ،  وخرب المدينة وسبى بني إسرائيل ، وحملهم إلى بابل ،  فمكثوا بها إلى أن ردهم إلى بيت المقدس كيرش بن جاما سب"  لقرابة كانت بينه وبينهم من قبل أمه ، فكان جميع ما ملك  "صديقيا"  إحدى عشرة سنة وثلاثة أشهر . 
ثم صار ملك بيت المقدس والشام   "لأشتاسب بن بهراسب" ،  وعامله على ذلك كله بخت نصر .  
وقال  محمد بن إسحاق:  لما قبض الله عز وجل صدقيا  ملك بني إسرائيل الذي قد تقدم خبره ، مرج أمر بني إسرائيل وتنافسوا الملك حتى قتل بعضهم بعضا ونبيهم شعيا  معهم لا يقبلون منه . 
فأوحى الله تعالى إليه: قم في قومك أوح على لسانك ، فلما قام أنطق الله لسانه بالوحي فوعظهم وخوفهم الغير ، بعدما عدد عليهم نعم الله عليهم . 
فلما فرغ من مقالته عدوا عليه ، فهرب منهم ، فلقيته شجرة ، فانفلقت ، فدخل فيها ، وأدركه الشيطان ، فأخذ بهدبة من ثوبه ، فأراهم إياه ، فوضعوا المنشار في وسطها فنشروها حتى قطعوها وقطعوه في وسطها . 

 
				
 
						 
						

 
					 
					