تنبيهات : 
الأول : العقل مصدر في الأصل مأخوذ من عقل البعير  ، وهو منعه بالعقال من القيام ، أو مأخوذ من الحجر وهو المنع ، قال تعالى : هل في ذلك قسم لذي حجر   [الفجر : 5]؛ لأنه يعقل صاحبه ، ويحجره عن الخطأ ، وهو مع البلوغ مناط التكليف . 
الثاني : اختلف في محله ، فالجمهور من المتكلمين  والشافعية  أنه في القلب . 
روى  البخاري  رحمه الله تعالى في الأدب  والبيهقي  في الشعب ، بسند جيد ، عن  علي  رضي الله تعالى عنه أنه قال : العقل في القلب  ، والرحمة في الكبد ، والرأفة في الطحال ، والنفس في الرئة . 
وأكثر الأطباء والحنفية  أنه في الدماغ ، واستدل الأولون بقوله تعالى : فتكون لهم قلوب يعقلون بها   [الحج : 46] وقال تعالى : إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب   [ق : 37] ، وبقوله صلى الله عليه وسلم : «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب» . 
فجعل صلى الله عليه وسلم صلاح الجسد وفساده تابعا للقلب ،  مع أن الدماغ من جملة الجسد ، ويجاب عن استدلال الأطباء أنه في الدماغ بأنه إذا فسد فسد العقل بأن الله سبحانه وتعالى أجرى العادة بفساد العقل عند فساد الدماغ ، مع أن العقل ليس فيه ، ولا امتناع في هذا . 
الثالث : اختلف في ماهيته فقيل : هو التثبت في الأمور؛؛ لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك ، وقيل : هو التمييز الذي يتميز به الإنسان عن سائر الحيوان . 
وقال المحاسبي  رحمه الله تعالى : هو نور يفيد الإدراك ، وذلك النور يقل ويكثر ، فإذا قوي منع ملاحقة الهوى . 
وقال  إمام الحرمين  رحمه الله تعالى : العقل علوم ضرورية ، يعطيها حواس السمع والبصر ، والنطق ، أو لا يكون كسبها من الحواس . 
وقال صاحب القاموس : العقل : العلم بصفات الأشياء من حسنها ، وقبحها ، وكمالها ، ونقصانها ، أو العلم بخير الخيرين وشر الشرين ، أو يطلق لأمور لقوة بها يكون التمييز بين القبح والحسن ، ولمعان مجتمعة في الذهن ، يكون بمقدمات تستتب بها الأغراض والمصالح ، ولهيئة محمودة في الإنسان ، في حركاته وسكناته ، والحق أنه نور روحاني ، به تدرك النفس العلوم الضرورية والنظرية ، وابتداء وجوده عند اجتنان الولد ، ثم لا يزال ينمو إلى أن يكمل عند البلوغ .  [ ص: 5 ] 
الرابع : قال بعض العلماء رحمه الله تعالى : العقل أنواع   : 
الأول : غريزي : وهو في كل آدمي مؤمن وكافر . 
الثاني : كسبي : وهو الذي يكتسبه المرء من معاشرة العقلاء ، ويحصل للكافر أيضا . 
الثالث : عطائي : وهو عقل المؤمن الذي اهتدى به للإيمان . 
الرابع : عقل الزهاد ، وذكر الفقهاء : لو أومئ لأعقل الناس صرف للزهاد . 
الخامس : شرفي : وهو عقل نبينا محمد  صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أشرف العقول . 
الخامس : اختلف في التفضيل بين العقل والعلم . 
قال الشيخ الإمام العلامة محيي الدين الكافيجي   -وهو بفتح الفاء- : التحقيق أن العلم أفضل باعتبار كونه أقرب منه بالإفضاء إلى معرفة الله تعالى وصفاته ، والعقل أفضل باعتبار كونه أصلا ومنبعا للعلم . انتهى ما في شرح الأسماء . 
السادس : حديث «أول ما خلق الله تعالى العقل ، فقال له : أقبل ، فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، فقال : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أشرف منك ، فبك آخذ ، وبك أعطي» رواه  ابن عدي  والعقيلي  في الضعفاء عن  أبي أمامة   وأبو نعيم  عن  عائشة ،  قلت : وهو من الأحاديث الواهية الضعيفة وقد بينته . 
السابع : في بيان غريب ما سبق   . 
اللب : بضم اللام وتشديد الموحدة : هو العقل السليم من شوائب الوهم . 
الثقوب : قوة الإدراك للطائف العلوم ، ومهمات الأمور ، وملمات الأحوال ، كأنه يثقبها كما يثقب النجم الظلام بقوة ضوئه . 
الفطنة : تهيؤ قوة النفس لتصور ما يرد عليها من المعاني . 
السياسة : الملك للناس بقرائن العقل ، ولهجته الصدق ، ونهج الحق في القيام عليهم بما يصلحهم . 
الرذائل : الأفعال الرديئة ، وتجنبها بمخالفة الهوى ، والميل إلى منهج الهدى .  [ ص: 6 ] 


						
						
