ولهذا لم يقبل أكثر العلماء توبة الزنديق  في الظاهر ؛ لأنه لا يعلم صدقه ، وهو ما زال يظهر الإيمان ، فلم يجدد شيئا يعرف به صدقه ، وهو منافق ، ولم ينته عن إظهار النفاق . وقال تعالى : لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا  [ ص: 385 ] يجاورونك فيها إلا قليلا  ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا  سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا   [الأحزاب :60 - 62] ، ولو تاب قبل أن يؤخذ ، وأظهر التوبة بحيث تغير حاله وهجر ما كان عليه أولا ، قبلت توبته .  
وكذلك أرجح القولين أن كل من تاب قبل الرفع إلى الإمام لم يقم عليه [الحد]  ، ولو جاء إلى الإمام تائبا فأقر لم تجب إقامة الحد عليه ، فلا تجب إقامته على تائب . لكن من جاء مقرا وطلب من الإمام أن يقيمه فله أن يقيمه ، لأنه من تمام تطهيره ، وللإمام أن يدفع من جاء مقرا تائبا ، بخلاف من أخذ قهرا واعترف بهذا ولم تظهر منه توبة ، فقوله تعالى : إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم   [المائدة :34] نص عام ، ومن جاء مقرا تائبا فقد تاب قبل القدرة عليه ، فإن هذا قد ظهر صدقه في توبته  ، بخلاف من قامت عليه البينة ثم تاب ، أو أقر بعد أن أخذوه ، فإن هذا لا يعرف صحة توبته ، ولو أسقط الحد عن مثل هذا لأمكن كل مجرم أن يظهر مثل هذه التوبة . 
وقد قال بعض العلماء عمن تاب عند رؤية السيف   : فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين  فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا   [غافر :84 - 85] ، وهذا لأن هؤلاء قد يتوبون مثل توبة آل فرعون ، وينقضون التوبة . أو يكون هذا العالم رأى معاينة القتل لم يتحتم مثل معاينة الملك ، ولكن هذا مثل من يطعن في جوفه ويجيئه  [ ص: 386 ] الموت ، وهذا تقبل توبته على الصحيح وتنفذ وصاياه ، فإن عمر أوصى في هذه الحال ، وغايته أنه أيقن بالموت بعد زمن ، وكل أحد يوقن بالموت بعد زمن طويل أو قصير ، إلا أن يقال : من هؤلاء من يضطرب عقله ، فلا يمكنه توبة صحيحة ، فإن التوبة لا بد فيها من رجوع القلب إلى الله عما فعله من السيئات ، وهذا قد لا يحصل في هذا الزمان مع تغير العقل . 


						
						
