[ ص: 23 ] اختيار الأمثل فالأمثل  
إذا عرف هذا ، فليس أن يستعمل إلا أصلح الموجود ، وقد لا يكون في موجوده ، من هو صالح لتلك الولاية ، فيختار الأمثل فالأمثل في كل منصب يحسبه ، وإذا فعل ذلك بعد الاجتهاد التام ، وأخذه للولاية بحقها ، فقد أدى الأمانة ، وقام بالواجب في هذا ، وصار في هذا الموضع من أئمة العدل والمقسطين عند الله ، وإن اختل بعض الأمور بسبب من غيره ، إذا لم يمكن إلا ذلك ، فإن الله يقول : { فاتقوا الله ما استطعتم    } ويقول : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها    } . 
وقال في الجهاد : { فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين    } . 
وقال : { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ، لا يضركم من ضل إذا اهتديتم    } فمن أدى الواجب المقدور عليه فقد اهتدى : وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم   }  [ ص: 24 ] أخرجاه في الصحيحين ، لكن إذا كان منه عجز ولا حاجة إليه ، أو خيانة عوقب على ذلك 
وينبغي أن يعرف الأصلح في كل منصب ، فإن الولاية لها ركنان : القوة والأمانة  ، كما قال تعالى : { إن خير من استأجرت القوي الأمين    } وقال صاحب مصر  ليوسف  عليه السلام : { إنك اليوم لدينا مكين أمين    } وقال تعالى في صفة جبريل    : { إنه لقول رسول كريم . ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين    } . 
والقوة في كل ولاية بحسبها ، فالقوة في إمارة الحرب ترجع إلى شجاعة القلب ، وإلى الخبرة بالحروب ، والمخادعة فيها ، فإن الحرب خدعة ، وإلى القدرة على أنواع القتال : من رمي وطعن وضرب ، وركوب وكر وفر ، ونحو ذلك ، كما قال تعالى : { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل    } وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { ارموا واركبوا ، وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا ، ومن تعلم الرمي ثم نسيه فليس منا   } 
وفي رواية : { فهي نعمة جحدها   }  [ ص: 25 ] رواه  مسلم  والقوة في الحكم بين الناس ، ترجع إلى العدل الذي دل عليه الكتاب والسنة ، وإلى القدرة على تنفيذ الأحكام . 
والأمانة ترجع إلى خشية الله ، وألا يشتري بآياته ثمنا قليلا ، وترك خشية الناس ، وهذه الخصال الثلاث التي اتخذها الله على كل حكم على الناس ، في قوله تعالى : { فلا تخشوهم واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا    } ، { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون    } 
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : { القضاة ثلاثة : قاضيان في النار ، وقاض في الجنة ، فرجل علم الحق وقضى بخلافه ، فهو في النار ، ورجل قضى بين الناس على جهل ، فهو في النار ، ورجل علم الحق  [ ص: 26 ] وقضى به ، فهو في الجنة   } رواه أهل السنن 
والقاضي اسم لكل من قضى بين اثنين وحكم بينهما ، سواء كان خليفة أو سلطانا ، أو نائبا ، أو واليا ، أو كان منصوبا ليقضي بالشرع ، أو نائبا له ، حتى يحكم بين الصبيان في الخطوط ، إذا تخايروا ، هكذا ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : وهو ظاهر . 

 
				
 
						 
						

 
					 
					