[ ص: 48 ] فصل 
في شرح ما بينا من وجوه إعجاز القرآن 
فأما الفصل الذي بدأنا بذكره من الإخبار عن الغيوب ، والصدق والإصابة في ذلك كله   - فهو كقوله تعالى : قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون  فأغزاهم  أبو بكر  ، وعمر   - رضي الله عنهما - إلى قتال العرب والفرس  والروم   . 
وكقوله : الم  غلبت الروم  في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون  في بضع سنين   . وراهن  أبو بكر الصديق   - رضي الله عنه - في ذلك ، وصدق الله وعده . 
وكقوله في قصة أهل بدر   : وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم  ، وكقوله : سيهزم الجمع ويولون الدبر   . 
وكقوله : لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون   . 
وكقوله : وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا   . وصدق الله تعالى وعده في ذلك كله . 
وقال في قصة المخلفين عنه في غزوته : لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا   . فحق ذلك كله وصدق ، ولم يخرج من المنافقين الذين خوطبوا بذلك معه - أحد . 
 [ ص: 49 ] وكقوله : ليظهره على الدين كله   . 
وكقوله : فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين   . 
فامتنعوا من المباهلة ، ولو أجابوا إليها اضطرمت عليهم الأودية نارا ، على ما ذكر في الخبر . 
وكقوله : قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين  ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم  ولو تمنوه لوقع بهم . فهذا وما أشبهه فصل . 
* * * 
وأما الوجه الثاني الذي ذكرناه ، من إخباره عن قصص الأولين ، وسير المتقدمين  فمن العجيب الممتنع على من لم يقف على الأخبار ، ولم يشتغل بدرس الآثار . وقد حكى في القرآن تلك الأمور حكاية من شهدها وحضرها . 
ولذلك قال الله تعالى : وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون   . 
وقال : وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين   . 
وقال : وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك   . فبين وجه دلالته من إخباره بهذه الأمور الغائبة السالفة . 
 [ ص: 50 ] وقال : تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين   . 
* * * 
فأما الكلام في الوجه الثالث ، وهو الذي بيناه من الإعجاز الواقع في النظم والتأليف والرصف  ، فقد ذكرنا من هذا الوجه وجوها : 
منها : أنا قلنا : إنه نظم خارج عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلامهم ، ومباين لأساليب خطابهم . 
ومن ادعى ذلك لم يكن له بد من أن يصحح أنه ليس من قبيل الشعر ، ولا السجع ، ولا الكلام الموزون غير المقفى ؛ لأن قوما من كفار قريش  ادعوا أنه شعر . 
ومن الملحدة من يزعم أن فيه شعرا . 
ومن أهل الملة من يقول : إنه كلام مسجع ، إلا أنه أفصح مما قد اعتادوه من أسجاعهم . 
ومنهم من يدعي أنه كلام موزون . 
فلا يخرج بذلك عن أصناف ما يتعارفونه من الخطاب . 

 
				
 
						 
						

 
					 
					