قوله: "وكان رزقه كفافا فصبر على ذلك " هذا خير الرزق كما سبق في حديث "خير الرزق ما يكفي " .
وفي "الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا" .
وقد فسر طائفة من المفسرين قوله تعالى: ورزق ربك خير وأبقى بهذا، وقالوا: المراد: رزق يوم بيوم . في "صحيح مسلم " عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "قد أفلح من هدي إلى الإسلام، وكان عيشه كفافا وقنعه الله به " .
وخرج الترمذي والنسائي من حديث فضالة بن عبيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "طوبى لمن هدي للإسلام وكان عيشه كفافا وقنع " . [ ص: 695 ] وفي "المسند" و"سنن ابن ماجه " عن أنس مرفوعا: "ما من غني ولا فقير إلا ود يوم القيامة أنه أوتي قوتا" .
وفي الترمذي عن أبي أمامة - مرفوعا: "عرض علي ربي أن يجعل لي بطحاء مكة ذهبا، فقلت: لا يا رب، ولكن أجوع يوما وأشبع يوما، فإذا جعت تضرعت إليك ودعوتك، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك " .
وفي "سنن ابن ماجه " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى رجل يستمنحه ناقة فرده ثم بعث إلى آخر فبعث إليه بناقة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم أكثر مال فلان - للمانع الأول - واجعل رزق فلان يوما بيوم - للذي بعث بالناقة" .
وخرج ابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة - مرفوعا: "اللهم من أحبني فارزقه العفاف والكفاف، ومن أبغضني فأكثر ماله وولده " .
وفي الترمذي وابن ماجه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه; فكأنما حيزت له الدنيا" .
وخرجه الطبراني وزاد في أوله: "ابن آدم، جمعت عندك ما يكفيك وأنت تطلب ما يطغيك، لا بقليل تقنع ولا من كثير تشبع " وزاد في آخره: "فعلى الدنيا العفاء" .
وقال عمر : كونوا أوعية الكتاب، ينابيع للعلم، وسلوا الله رزق يوم [ ص: 696 ] بيوم، وعدوا أنفسكم في الموتى، ولا يضركم أن لا يكثر لكم .
والكفاف من الرزق; هو ما ليس فيه فضل - بأن يكتفي به صاحبه من غير فضل . وجاء من حديث ابن عباس - مرفوعا: "إنما يكفي أحدكم ما قنعت به نفسه " خرجه ابن أبي الدنيا .
والمراد أن من اكتفى من الدنيا باليسير وقنعت به نفسه فقد كفاه ذلك واستغنى له وإن كان يسيرا .
قال أبو حازم : إن كان يغنيك ما يكفيك فإن أدنى ما في الدنيا يكفيك - وإن كان لا يغنيك ما يكفيك فليس في الدنيا شيء يكفيك .
قال بكر المزني: يكفيك من الدنيا ما قنعت به ولو كف تمر وشربة ماء .
وقال الإمام أحمد : قليل الدنيا يكفي وكثير ما يكفي يغني، إن من اكتفى من الدنيا كفاه منها القليل، ومن لم يكتف لم يكفه الكثير، كما قال بعضهم، شعر:
حقيق بالتواضع من يموت . ويكفي المرء من دنياه قوت
وقال آخر:
يكفي الفتى خلق وقوت . ما أكثر القوت لمن يموت
وقد مدح في هذا الحديث من صبر على كفاف عيشه وقنع به، فأما الراضي بذلك: فهو أعلى منزلة من الصابر القانع . وقد قيل: إن الفقير الراضي أفضل من الفقير الصابر والغني الشاكر بالاتفاق . [ ص: 697 ] وفي الحديث أنه - عليه السلام - كان يقول في دعائه: "رضني بما قسمت ،
وفي حديث آخر . "إذا أراد بعبده خيرا رضاه بما قسم له، وبارك له فيه " .



