[ ص: 83 ] فصل ومن هذا الباب لفظ " الصلاح " و " الفساد " : فإذا أطلق الصلاح تناول جميع الخير وكذلك الفساد يتناول جميع الشر كما تقدم في اسم الصالح وكذلك اسم المصلح والمفسد قال تعالى في قصة موسى   : { أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين   } { وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين   } وقال تعالى : { وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون   } { ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون   } . والضمير عائد على المنافقين في قوله : { ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين   } وهذا مطلق يتناول من كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومن سيكون بعدهم ; ولهذا قال سلمان الفارسي   : إنه عنى بهذه الآية قوما لم يكونوا خلقوا حين نزولها وكذا قال السدي  عن أشياخه : الفساد الكفر والمعاصي . وعن مجاهد   : ترك امتثال الأوامر واجتناب النواهي . والقولان معناهما واحد . وعن ابن عباس   : الكفر . وهذا معنى قول من قال : النفاق الذي صافوا به الكفار وأطلعوهم على أسرار المؤمنين . وعن  أبي العالية  ومقاتل   : العمل بالمعاصي . وهذا أيضا عام كالأولين .  [ ص: 84 ] وقولهم : { إنما نحن مصلحون   } فسر بإنكار ما أقروا به أي : إنا إنما نفعل ما أمرنا به الرسول . 
وفسر : بأن الذي نفعله صلاح ونقصد به الصلاح وكلا القولين يروى عن ابن عباس  وكلاهما حق فإنهم يقولون هذا وهذا ، يقولون الأول لمن لم يطلع على بواطنهم ويقولون الثاني لأنفسهم ولمن اطلع على بواطنهم . لكن الثاني يتناول الأول ; فإن من جملة أفعالهم إسرار خلاف ما يظهرون وهم يرون هذا صلاحا قال مجاهد   : أرادوا أن مصافاة الكفار صلاح لا فساد . وعن السدي   : إن فعلنا هذا هو الصلاح وتصديق محمد  فساد ، وقيل : أرادوا أن هذا صلاح في الدنيا فإن الدولة إن كانت للنبي صلى الله عليه وسلم فقد أمنوا بمتابعته وإن كانت للكفار ; فقد أمنوهم بمصافاتهم . ولأجل القولين قيل في قوله : { ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون   } أي لا يشعرون أن ما فعلوه فساد لا صلاح . وقيل : لا يشعرون أن الله يطلع نبيه على فسادهم . والقول الأول يتناول الثاني ; فهو المراد كما يدل عليه لفظ الآية . وقال تعالى { إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين   } وقال { قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين   } وقول يوسف   { توفني مسلما وألحقني بالصالحين   } . 
وقد يقرن أحدهما بما هو أخص منه كقوله : { وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد   } قيل : بالكفر وقيل : بالظلم ; وكلاهما صحيح وقال تعالى : { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا   } وقد تقدم قوله تعالى { إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين   } . وقال تعالى : { من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا   } وقتل النفس الأول من جملة الفساد لكن الحق في القتل لولي المقتول وفي الردة والمحاربة والزنا ; الحق فيها لعموم الناس ; ولهذا يقال : هو حق لله ولهذا لا يعفى عن هذا كما يعفى عن الأول لأن فساده عام قال تعالى { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف   } الآية   . قيل : سبب نزول هذه الآية العرنيون  الذين ارتدوا وقتلوا وأخذوا المال . وقيل : سببه ناس معاهدون نقضوا العهد وحاربوا . وقيل : المشركون ; فقد قرن بالمرتدين المحاربين وناقضي العهد المحاربين وبالمشركين المحاربين . 
وجمهور السلف  والخلف على أنها تتناول قطاع الطريق من المسلمين والآية تتناول ذلك كله ; ولهذا كان من تاب قبل القدرة عليه من جميع هؤلاء فإنه يسقط عنه حق الله تعالى . وكذلك قرن " الصلاح والإصلاح بالإيمان " في مواضع كثيرة كقوله تعالى : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات   } . { فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون   } . ومعلوم أن الإيمان أفضل الإصلاح وأفضل العمل الصالح  كما جاء في الحديث الصحيح أنه { قيل : يا رسول الله أي الأعمال أفضل ؟ قال : إيمان بالله  } . وقال تعالى : { وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى   } . وقال : { إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة   } . وقال : { إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات   } . وقال في القذف : { إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم   } . وقال في السارق : { فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه   } . وقال : { واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما   } . ولهذا شرط الفقهاء في أحد قوليهم في قبول شهادة القاذف  أن يصلح وقدروا ذلك بسنة كما فعل عمر  بصبيغ بن عسل  لما أجله سنة ، وبذلك أخذ أحمد  في توبة الداعي إلى البدعة  أنه يؤجل سنة كما أجل عمر  صبيغ بن عسل   . 


						
						
