[ ص: 377 ] وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى فصل قال  القاضي أبو يعلى  في عيون المسائل : [ مسألة ] ومثبتو النبوات حصل لهم المعرفة بالله تعالى بثبوت النبوة من غير نظر واستدلال في دلائل العقول خلافا للأشعرية  في قولهم : لا تحصل حتى تنظر وتستدل بدلائل العقول . 
وقال : نحن لا نمنع صحة النظر ولا نمنع حصول المعرفة به وإنما خلافنا هل تحصل بغيره ; واستدل بأن النبوة إذا ثبتت بقيام المعجزة علمنا أن هناك مرسلا أرسله ; إذ لا يكون هناك نبي إلا وهناك مرسل وإذا ثبت أن هناك مرسل أغنى ذلك عن النظر والاستدلال في دلائل العقول على إثباته . 
وقال البيهقي  في كتاب الاعتقاد ما ذكره الخطابي  أيضا في " الغنية  [ ص: 378 ] عن الكلام وأهله وقد سلك بعض من بحث في إثبات الصانع وحدوث العالم طريق الاستدلال بمقدمات النبوة ومعجزات الرسالة ; لأن دلائلها مأخوذة من طريق الحس لمن شاهدها . 
ومن طريق استفاضة الخبر لمن غاب عنها ; فلما ثبتت النبوة صارت أصلا في وجوب قبول ما دعا إليه النبي ; وعلى هذا الوجه كان إيمان أكثر المستجيبين للرسول ; وذكر : قصة جعفر  وأصحابه مع النجاشي  وقصة الأعرابي الذي قال : من خلق السماء وغير ذلك ؟ قلت : كثير من المتكلمين يقولون : لا بد أن تتقدم المعرفة أولا بثبوت الرب وصفاته التي يعلم بها أنه هو ويظهر المعجزة وإلا تعذر الاستدلال بها على صدق الرسول فضلا عن وجود الرب . 
وأما الطريقة التي ذكرها المتقدمون فصحيحة إذا حررت وقد جاء القرآن بها في قصة فرعون  فإنه كان منكرا للرب . 
قال تعالى : { فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين   } { أن أرسل معنا بني إسرائيل   } { قال ألم نربك فينا وليدا   } - إلى قوله - { قال فرعون وما رب العالمين   } { قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين   } { قال لمن حوله ألا تستمعون   } { قال ربكم ورب آبائكم الأولين   } { قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون   } { قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون   } { قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين   } { قال أولو جئتك بشيء مبين   } { قال فأت به إن كنت من الصادقين   } { فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين   } { ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين   } . 
فهنا : قد عرض عليه موسى  الحجة البينة التي جعلها دليلا على صدقه في كونه رسول رب العالمين . 
وفي أن له إلها غير فرعون  يتخذه . 
وكذلك قال تعالى : { فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو   } فبين أن المعجزة تدل على الوحدانية والرسالة  وذلك ; لأن المعجزة - التي هي فعل خارق للعادة - تدل بنفسها على ثبوت الصانع كسائر الحوادث بل هي أخص من ذلك ; لأن الحوادث المعتادة ليست في الدلالة كالحوادث الغريبة ; ولهذا يسبح الرب عندها ويمجد ويعظم ما لا يكون عند المعتاد ويحصل في النفوس ذلة [ من ذكر ] عظمته ما لا يحصل للمعتاد إذ هي آيات جديدة فتعطى حقها وتدل بظهورها على الرسول وإذا تبين أنها تدعو إلى الإقرار بأنه رسول الله . 
فتتقرر بها الربوبية والرسالة لا سيما عند من يقول دلالة المعجزة على صدق الرسول ضرورية  كما هو قول طائفة من متكلمي المعتزلة   : كالجاحظ  وطوائف من غيرهم كالأشعرية  والحنبلية  الذين يقولون : يحصل الفرق بين المعجزة والسحر والكرامة بالضرورة . 
 [ ص: 380 ] ومن يقول : إن شهادة المعجزة على صدق النبي معلوم بالضرورة  وهم كثير من الأشعرية  والحنبلية  وكثير من هؤلاء يقول : لأن عدم دلالتها على الصدق مستلزم عجز البارئ إذ لا طريق سواها . 
وأما المعتزلة   : فلأن عندهم أن ذلك قبيح لا يجوز من الباري فعله . 
والأولون يقولون : ليس كأمور كثيرة جدا وقد بينت في غير هذا الموضع أن العلم موجود ضروري وهو الذي عليه جمهور . 


						
						
