باب النهي عن التمني قال الله تعالى : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض  روى  سفيان  عن  ابن أبي نجيح  عن  مجاهد  عن  أم سلمة  قالت : قلت يا رسول الله يغزو الرجال ولا تغزو النساء ويذكر الرجال ولا تذكر النساء ؟ فأنزل الله تعالى : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض  الآية ، ونزلت : إن المسلمين والمسلمات  وروى  قتادة  عن  الحسن  قال : " لا يتمن أحد المال وما يدريه لعل هلاكه في ذلك المال "  . 
وقال سعيد  عن  قتادة  في قوله : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض   قال : كان أهل الجاهلية لا يورثون المرأة شيئا ولا الصبي ويجعلون الميراث لمن يحبون فلما ألحق للمرأة نصيبها وللصبي نصيبه وجعل للذكر مثل حظ  [ ص: 142 ] الأنثيين ، قالت النساء : لو كان أنصباؤنا في الميراث كأنصباء الرجال وقال الرجال : إنا لنرجو أن نفضل على النساء في الآخرة كما فضلنا عليهن في الميراث فأنزل الله تعالى : للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن  يقول : المرأة تجزى بحسناتها عشر أمثالها كما يجزى الرجل ؛ قال : واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما  ونهى الله عن تمني ما فضل الله به بعضنا على بعض ؛ لأن الله تعالى لو علم أن المصلحة له في إعطائه ما أعطى الآخر لفعل ، ولأنه لا يمنع من بخل ولا عدم وإنما يمنع ليعطي ما هو أكثر منه  . 
وقد تضمن ذلك النهي عن الحسد  وهو تمني زوال النعمة عن غيره إليه ، وهو مثل ما روى  أبو هريرة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ولا يسوم على سوم أخيه ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في صحفتها فإن الله هو رازقها ، فنهى صلى الله عليه وسلم أن يخطب على خطبة أخيه إذا كانت قد ركنت إليه ورضيت به ، وأن يسوم على سومه كذلك ؛ فما ظنك بمن يتمنى أن يجعل له ما قد صار لغيره وملكه وقال صلى الله عليه وسلم : لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في صحفتها ، يعني أن تسعى في إسقاط حقها وتحصيله لنفسها . 
وروى  سفيان  عن  الزهري  عن  سالم  عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالا فهو ينفق منه آناء الليل والنهار ، ورجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار  . قال  أبو بكر   : والتمني على وجهين   : 
أحدهما : أن يتمنى الرجل أن تزول نعمة غيره عنه ، فهذا الحسد ، وهو التمني المنهي عنه . والآخر : أن يتمنى أن يكون له مثل ما لغيره من غير أن يريد زوال النعمة عن غيره ، فهذا غير محظور إذا قصد به وجه المصلحة ، وما يجوز في الحكمة . 
ومن التمني المنهي عنه أن يتمنى ما يستحيل وقوعه ، مثل أن تتمنى المرأة أن تكون رجلا أو تتمنى حال الخلافة والإمامة ونحوها من الأمور التي قد علم أنها لا تكون ولا تقع . وقوله تعالى : للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن  قيل فيه وجوه : 
أحدها : أن لكل واحد حظا من الثواب قد عرض له بحسن التدبير في أمره ولطف له فيه حتى استحقه وبلغ علو المنزلة به ، فلا تتمنوا خلاف هذا التدبير ، فإن لكل منهم حظه ونصيبه غير مبخوس ولا منقوص والآخر : أن لكل أحد جزاء ما اكتسب فلا يضيعه بتمني ما لغيره محبطا لعمله . 
وقيل فيه : إن لكل فريق من الرجال والنساء نصيبا مما اكتسب من نعم الدنيا ، فعليه أن يرضى بما قسم الله له . وقوله تعالى : واسألوا الله من فضله  قيل  [ ص: 143 ] فيه : إن معناه إن احتجتم إلى ما لغيركم فسلوا الله أن يعطيكم مثل ذلك من فضله ، لا بأن تتمنوا ما لغيركم ؛ إلا أن هذه المسألة تغني إن تكن معقودة بشريطة المصلحة ، والله تعالى أعلم بالصواب . 

 
				
 
						 
						

 
					 
					