[ ص: 233 ] فصل في حكم سجود السهو نفسه ، ومحله وكيفيته وحكم تركه    ( وسجود السهو : لما ) أي : لفعل شيء ، أو تركه ( يبطل عمده ) أي : تعمده الصلاة ، واجب كسلام عن نقص ، وزيادة ركعة ، أو ركوع ، أو سجود ونحوه ، وترك تسبيح ونحوه ، وإتيانه ببدل ركعة ، أو ركن شك فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وأمر به في غير حديث والأمر للوجوب وقال في حديث  ابن عمر    { فإن سها الإمام فعليه وعلى من خلفه السهو   } " ولفظة " على " للوجوب ، ولأنه جبران يقوم مقام ما يجب فعله ، أو تركه فكان واجبا ، كجبرانات الحج . 
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد    {   : فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة والسجدتان نافلة له   } " فمعناه : أنه يقع موقع النفل في زيادة الثواب لا أنه نافلة في الحكم لأن هذا ليس موضع التنفل بالركعة كحديث عثمان  مرفوعا { توضأ وقال : من توضأ هكذا غفر له ما تقدم من ذنبه ، وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة   } " رواه  مسلم  ، فإن لم يبطل عمده الصلاة ، كترك سنة ، أو إتيان بقول مشروع في غير موضعه لم يجب السجود له . 
ويسن لإتيانه بقوله مشروع في غير موضعه ويباح لترك سنة ( و ) سجود السهو ( للحن يحيل المعنى ، ) في الصورة ( سهوا ، أو جهلا : واجب ) لأن عمده يبطل الصلاة فوجب السجود لسهوه وفي معناه : سبق لسانه بتغيير نظم القرآن بما هو منه على وجه يحيل معناه ، نحو { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات    } " ثم { أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون    } " . 
وهذا من عطف الخاص على العام ردا لخلاف بعض الأصحاب فيه ( إلا إذا ترك منه ) أي : من سجود السهو الواجب ( ما محله ) أي : ما ندب كونه ( قبل السلام ) ويأتي ( فتبطل ) الصلاة ( بتعمد تركه ) كتعمده ترك واجب من الصلاة . 
و ( لا ) يشرع ( سجود لسهوه ) أي : لتركه سهوا ، لئلا يتسلسل فإن ذكره قريبا أتى به نفسه ، وإلا فات ( ولا تبطل ) الصلاة ( بتعمد ترك ) سجود سهو ( مشروع ) أي : مسنون مطلقا ، كسائر المسنونات ولو عبر به لكان أولى لأن المشروع يتناول الواجب أيضا ، ولكن العطف دل على أنه ليس مرادا ( ولا ) تبطل أيضا بتعمد ترك سجود سهو ( واجب محله بعد السلام ) لأنه  [ ص: 234 ] خارج عنها . 
فلم يؤثر في إبطالها وإن كان مشروعا لها كالأذان ، لكن يأثم بتعمد تركه ( وهو ) أي : السجود الذي محله بعد السلام ( ما إذا سلم ) من صلاة ( قبل إتمامها ) لقصة ذي اليدين ( وكونه ) أي : السجود ( قبل السلام ، أو بعده ندب ) لأن الأحاديث وردت بكل من الأمرين ، 
فلو سجد للكل قبل السلام ، أو بعده جاز لكن قال في رواية  الأثرم    : أنا أقول : كل سهو جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يسجد فيه بعد السلام فإنه يسجد فيه بعد السلام ، وسائر السهو يسجد فيه قبل السلام ووجهه : أنه من شأن الصلاة فيقضيه قبل السلام ، كسجود صلبها إلا ما خصه الدليل ( وإن نسيه ) أي : السجود وقد ندب ( قبله ) أي : السلام ( قضاه ) وجوبا إن وجب ( ولو ) كان ( شرع في ) صلاة ( أخرى ف ) يقضيه ( إذا سلم ) منها إن قرب الفصل ، ولم يحدث ، ولم يخرج من المسجد لبقاء محله ( وإن طال فصل عرفا ، أو أحدث ، أو خرج من المسجد لم يقضه ) أي : السجود لفوات محله ( وصحت ) صلاته ، كسائر الواجبات إذا تركها سهوا . 
وإن لم يوجد شيء من هذه وقضاه لم يصر عائدا إلى الصلاة ، لأن التحلل منها حصل بالسلام ، لأنه لا يجب عليه نية العود للصلاة فلا تبطل بمفسد ، من نحو حدث ، أو غيره ، ولا يجب الإتمام على من يجوز له القصر إذا نواه فيه ولا يصح دخول مسبوق معه فيه ( ويكفي لجميع السهو سجدتان ، ولو اختلف محلهما ) أي : السهوين ، بأن كان محل أحدهما قبل السلام ، كترك تشهد أول والآخر : بعده كما لو سلم أيضا قبل تمام صلاته ، ثم ذكر قريبا وأتمها . 
وكذا لو كان أحدهما جماعة والآخر منفردا لقول النبي صلى الله عليه وسلم { إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين   } " وهو يتناول السهو في موضعين فأكثر وكما لو اتحد الجنس وأما حديث { لكل سهو سجدتان   } " رواه أبو داود   وابن ماجه  ، ففي إسناده مقال . 
ثم المراد : لكل سهو في صلاة ، والسهو وإن كثر داخل في لفظ : السهو ، لأنه اسم جنس ، فالتقدير : لكل صلاة فيها سهو سجدتان . 
( و ) إذا اجتمع ما محله قبل السلام وما محله بعده    ( يغلب ما قبل السلام ) فيسجد للسهوين سجدتين قبل السلام لأنه أسبق وآكد ، وقد وجد سببه ولم يوجد قبله ما يقوم مقامه 
فإذا سجد له سقط الثاني ، وإن شك في محل سجوده سجد قبل السلام ( ومتى سجد  [ ص: 235 ] بعده ) أي : بعد السلام ( جلس ) بعد رفعه من السجدة الثانية ( تشهد وجوبا التشهد الأخير ، ثم سلم ) سواء كان محل السجود قبل السلام ، أو بعده ، لحديث  عمران بن حصين    { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم ، فسها فسجد سجدتين ، ثم تشهد ، ثم سلم   } " رواه أبو داود  والترمذي  وحسنه ، 
ولأن السجود بعد السلام في حكم المستقل بنفسه من وجه فاحتاج إلى التشهد كما احتاج إلى السلام ، إلحاقا له بما قبله ، بخلاف سجود تلاوة وشكر فليس قبلهما ما يلحقان به ، وبخلاف ما قبل السلام ، فهو جزء من الصلاة بكل وجه وتابع ، فلم يفرد له تشهد ، كما لا يفرد بسلام   ( ولا يتورك ) إذا جلس للتشهد بعد السجود    ( في ) صلاة ( ثنائية ) بل يجلس مفترشا ، كتشهد نفس الصلاة ، فإن كانت ثلاثية ، أو رباعية تورك لما ذكر ( وهو ) أي : سجود السهو قبل السلام وبعده ، ( وما يقال فيه ) من تكبير ، وتسبيح ( و ) ما يقال ( بعد رفع ) منه ، كرب اغفر لي ، بين السجدتين ( كسجود صلب ) لأنه مطلق في الأخبار فلو كان غير المعروف لبينه . 

 
				
 
						 
						

 
					 
					