باب بيان أنواع المياه وأحكامها وما يتبعها وباب الشيء ما توصل إليه منه فباب المياه ما توصل منه إلى الوقوف على مسائلها ( المياه ) جمع ماء باعتبار ما يتنوع إليه شرعا ( ثلاثة ) بالاستقراء ( طهور ) وهو أشرفها . 
قال ثعلب    : طهور بفتح الطاء : الطاهر في ذاته  المطهر لغيره انتهى ، فهو من الأسماء المتعدية ، قال تعالى : { وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به    } وقال صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر { هو الطهور ماؤه الحل ميتته   } ولو لم يكن متعديا بمعنى المطهر لم يكن ذلك جوابا للقوم حين سألوه عن الوضوء به ، إذ ليس كل طاهر مطهرا ، ولا ينافيه : خلق الماء طهورا لا ينجسه شيء . 
فقد جمع الوصفين كونه نزها لا يتنجس بغيره وأنه يطهر غيره ( يرفع الحدث ) أي لا يرفع الحدث غيره بقرينة المقام ( وهو ) أي الحدث ( ما ) أي معنى يقوم بالبدن ( أوجب وضوءا ) أي جعله الشرع سببا لوجوبه ، ويوصف بالأصغر ( أو ) أوجب غسلا ، ويوصف بالأكبر وليس نجاسة . فلا تفسد الصلاة بحمل محدث ، والمحدث من لزمه لنحو صلاة وضوء ، أو غسل أو تيمم . 
فالطاهر ضد المحدث والنجس ، والمحدث ليس نجسا ولا طاهرا ( إلا حدث رجل ) إلا امرأة وصبي . 
( و ) إلا حدث ( خنثى ) مشكل بالغ احتياطيا فلا يرتفع ( ب ) ماء ( قليل ) لا يبلغ قلتين   ( خلت به امرأة ) مكلفة    ( ولو كانت ) ( كافرة ) ; لأنها أدنى من المسلمة وأبعد من  [ ص: 15 ] الطهارة ولعموم الخبر الآتي ( لطهارة كاملة ) لا بعضها ( عن حدث ) بحيث تكون خلوتها باستعمال ( كخلوة نكاح ) فلا أثر إذا شاهدها مميز أو كافر أو امرأة أو قن ( تعبدا ) أي قلنا ذلك تعبدا ، لأمر الشارع به ، وعدم عقل معناه قال الحكم بن عمرو الغفاري    ( { نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة .   } ) رواه الخمسة إلا أن  النسائي   وابن ماجه  قالا : " وضوء المرأة " وحسنه الترمذي  وصححه  ابن حبان  واحتج به  أحمد  في رواية  الأثرم  ، وقال في رواية أبي طالب  أكثر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون ذلك ، وهو لا يقتضيه القياس ، فيكون توقيفا ، وممن كرهه :  عبد الله بن عمر  ،  وعبد الله بن سرجس  ، وخصص بالخلوة لقول  عبد الله بن سرجس    " توضأ أنت هاهنا وهي هاهنا فإذا خلت به فلا تقربنه " وبالقليل لأن النجاسة لا تؤثر في الكثير ، فهذا أولى ، ولأن الغالب على النساء أن يتطهرن من القليل . 
وعلم مما تقدم : أنه لا أثر لخلوتها بالتراب ، ولا بالماء لإزالة خبث ، أو طهر مستحب ، ولا لخلوة خنثى مشكل ، ولا لغير بالغة ، ولا لبعض طهارة ( ويزيل ) الماء الطهور ، عطف على يرفع ، أي ويزيل ( الخبث الطارئ )  على محل طاهر قبله غيره ، لما يأتي في إزالة النجاسة ، وعلم منه أن نجس العين لا يمكن تطهيره ( وهو ) أي الماء الطهور الماء ( الباقي على خلقته ) أي صفته ، وهي الطهورية ، أي هو الماء المطلق الذي لم يقيد بوصف دون آخر ، وهو ماء البحر والنهر ، ونبع الأرض من عين أو بئر ، وما نزل من السماء من مطر وثلج وبرد ، عذبا كان أو مالحا باردا أو حارا . 
( ولو تصاعد ) الماء ( ثم قطر  كبخار الحمامات ) لأنه لم يطرأ عليه ما يزيل طهوريته ( أو استهلك فيه ) أي الطهور ماء ( يسير مستعمل ، أو ) استهلك فيه ( مائع طاهر ) كلبن ( ولو ) كان استهلاكه فيه ( لعدم كفاية ) الطهور للطهارة قبله ( ولم يغيره ) ما استهلك فيه إن كان مخالفا له في الصفة أو الفرض ، فيجوز استعماله وتصح الطهارة به . 
والخلاف المشار إليه في ذلك ، لا في سلب الطهورية كما ذكره ابن قندس  ، خلافا للرعايتين والفروع ، وتبعهم في شرحه ، فإن غيره سلب الطهورية ، ويأتي توضيحه ( أو استعمل ) الطهور ( في طهارة  لم تجب ) كتجديد وغسل جمعة ( أو ) استعمل في ( غسل كافر ) ولو ذمية من حيض أو نفاس لحل وطء لمسلم ، فلا يسلبه الطهورية ، لأنه لم يرفع حدثا ، والكافر ليس من أهل النية ( أو  [ ص: 16 ] غسل به ) أي الطهور ولو يسيرا ( رأس بدلا عن مسح ) في وضوء فلا يسلبه الطهورية لعدم وجوب غسله في الوضوء ( والمتغير بمحل تطهير ) عطف على الباقي على خلقته ، ذكره الحجاوي  في حاشية التنقيح . 
فإذا كان على العضو طاهر ، كزعفران وعجين وتغير به الماء وقت غسله لم يمنع حصول الطهارة به ، لأنه في محل التطهير كتغيير الماء الذي تزال به النجاسة في محلها . 
( و ) المتغير ( بما يأتي ) ذكره ( فيما كره ) من الماء . 
( و ) في ( ما لا يكره ) منه ثم بين المكروه بقوله ( وكره ) بالبناء للمجهول ( منه ) أي من الطهور   ( ماء زمزم في إزالة خبث )  تعظيما له . 
ولا يكره الوضوء منه ولا الغسل على المذهب ، ويأتي في الوقف : لو سبل ماء للشرب  لم يجز الوضوء به ، ولا يكره ما جرى على الكعبة  في ظاهر كلامهم . 
( و ) كره منه أيضا   ( ماء بئر بمقبرة )  بتثليث الباء مع فتح الميم ، وبفتح الباء مع كسر الميم ، قال في الفروع في الأطعمة : وكره  أحمد  ماء بئر بين القبور ، وشوكها وبقلها ، قال  ابن عقيل    : كماء سمد بنجس والجلالة انتهى . 
فظاهره يكره استعمال مائها في أكل وشرب وطهارة وغيرها . 
( و ) كره منه أيضا   ( ما اشتد حره واشتد برده )  لأذاه ومنعه كمال الطهارة . 
( و ) كره منه أيضا   ( مسخن بنجاسة )  مطلقا ظن وصولها إليه أو احتمل أو لا ، حصينا كان الحائل أو غير حصين ولو برد . 
ويكره إيقاد النجس وإن علم وصول النجاسة إليه ، وكان يسيرا فنجس ( إن لم يحتج إليه ) فإن لم يجد غيره تعين ، وكذا يقال في كل مكروه ، إذ لا يترك واجب لشبهة ( أو ) مسخن ( بمغصوب )  ونحوه ، وكذا ماء بئر في موضع غصب ، أو حفرها أو أجرته غصب . فيكره الماء لأنه أثر محرم . 
( و ) يكره أيضا   ( متغير بما لا يخالطه )  أي الماء ( من عود قماري ) بفتح القاف ، نسبة إلى بلدة قمار  قاله في شرحه . 
وقال في المطلع : بكسر القاف ، منسوب إلى قمار موضع ببلاد الهند  ، عن أبي عبيد البكري    ( أو قطع كافور أو دهن ) كزيت وسمن لأنه لا يمازج الماء ، وكراهته خروجا من الخلاف قال في الشرح : وفي معناه ما تغير بالقطران والزفت والشمع ، لأن فيه دهنية يتغير بها الماء ( أو ) أي وكره أيضا متغير ( بمخالط أصله الماء )  كالملح المائي ، لأنه منعقد من الماء ، بخلاف المعدني فيسلبه الطهورية . 
و ( لا ) يكره متغير ( بما يشق صونه ) أي الماء    ( عنه ، كطحلب ) بضم اللام وفتحها ، وهو خضرة تعلو الماء المزمن ، أي الراكد بسبب  [ ص: 17 ] الشمس ( وورق شجر ) سقط فيه بغير فعل آدمي ، لمشقة التحرز منه ، وكذا ما بعث في الماء ، والسمك ونحوه ، والجراد ونحوه ، وما تلقيه الرياح والسيول ، وما تغير عمره أو مقره . فكله غير مكروه للمشقة . 
( و ) كذا ما تغير بطول ( مكث ) في أرض وآنية من أدم أو نحاس أو غيرهما  ، لمشقة الاحتراز منه . 
وروي أنه صلى الله عليه وسلم { توضأ من بئر كأن ماءه نقاعة الحناء   } . 
( و ) لا يكره أيضا متغير ب ( ريح ) تحمل الرائحة الخبيثة إلى الطهور  ، فيتروح بها للمشقة ( ولا ) يكره ( ماء البحر ) الملح ، لما تقدم من الخبر . 
( و ) لا ماء ( الحمام ) لأن الصحابة رضي الله عنهم دخلوا الحمام ورخصوا فيه ومن نقل عنهم الكراهة علل بخوف مشاهدة العورة ، أو قصد التنعم به ذكره في المبدع ، و ( لا ) يكره   ( مسخن بشمس )  وما استدل به للكراهة من النهي لم يصح . كما أوضحته في شرح الإقناع ( أو ) أي ولا يكره مسخن ( بطاهر ) إن لم يشتد حره . 
وروى  الدارقطني  بإسناد صحيح عن  عمر    " أنه كان يسخن له ماء في قمقم فيغتسل به " وروى  ابن أبي شيبة  عن  ابن عمر    " أنه كان يغتسل بالحميم "   ( ولا يباح غير بئر الناقة من ) آبار ديار ( ثمود )  قوم صالح  ، لحديث  ابن عمر    { أن الناس نزلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم على الحجر أرض ثمود ، فاستقوا من آبارها وعجنوا به العجين ، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا ما استقوا من آبارها ، ويعلفوا الإبل العجين ، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة   } متفق عليه . 
وظاهره منع الطهارة به كالمغصوب ، وبئر الناقة هي البئر الكبيرة التي يردها الحجاج في هذه الأزمنة ، قاله الشيخ تقي الدين  لم نجدها . 

 
				
 
						 
						

 
					 
					