[ ص: 160 ] وإن ادعى القاتل العفو على الورثة ولا بينة له  حلف الوارث على ذلك ; لأنه يدعي عليه ما لو أقر به لزمه ، فإن حلف أحد بالقصاص لا يحلف ، بل بالقتل السابق ، ولكن يحلفه كما انتفى ما ادعاه من العفو ، وإن نكل عن اليمين بطل حقه ; لأن نكوله كإقراره ولشركائه حصتهم من الدية كما لو أقر الناكل العفو . 
وإن شهد شاهدان للقاتل أنه صالح على الدية ، وأنهما كفلا عنه بعد ذلك في غير صلح ، والولي منكر لذلك  لم تجز شهادتهما إن ذكرا أن الكفالة كانت في الصلح ; لأن الصلح المشروط فيه كفالة الكفيل بعينه لا يتم إلا بقبوله فإنما يشهدان على عقد تم بهما ، وهو الصلح الذي تم بكفالتهما فيكون هذا شهادة على فعل أنفسهما فلا تقبل ، وإن ذكرا أنها بعد الصلح فشهادتهما على الصلح جائزة ; لأنهما أجنبيان لا تهمة في شهادتهما ويؤخذان بالكفالة بإقرارهما على أنفسهما ولا يرجعان بذلك على الذي كفلا عنه إلا أن يكون أمرهما بذلك ; لأن الكفيل بغير الأمر متبرع فيما يلزم ويؤدي ، وإن ادعى الولي شهادتهما وجحد ذلك القاتل جازت شهادتهما على أنفسهما ; لأن القود قد سقط بدعوى الولي الصلح ، وقد أقر بوجوب المال عليهما وعلى القاتل ويلزمهما ما أقرا به على أنفسهما ولا يرجعان على القاتل بشيء ; لأن إقرارهما ليس بحجة عليه . 
وإذا شهد شاهدان على العفو وقضى القاضي ، ثم رجعا  فلا ضمان عليهما ; لأن القود ليس بمال ، والشاهد عند الرجوع إنما يضمن ما أتلف من المال بشهادته فأما ما ليس بمال فيما هو مبتذل لا يكون مضمونا بالمال عند الإتلاف ، وقد بينا هذا في الرجوع عن الشهادات ، وإن لم يقض القاضي بشهادتهما حتى رجعا ، فالقصاص كما هو على حاله ; لأن الشهادة لا توجب شيئا ما لم يتصل بها القضاء ، فإذا لم يقض القاضي هاهنا لم يسقط القود فانعدم المانع من استيفاء القود واختلاف شهود العفو في الوقت ، والمكان لا يمنع قبول الشهادة ; لأن العفو قول يعاد ويكرر فيكون الثاني هو الأول ولو شهدا على أحد الورثة بالعفو ولم يعرفوا أنه هو  فشهادتهما باطلة ; لأن المشهود عليه مجهول وجهالته تمنع القاضي من القضاء بالشهادة فيبقى القصاص كما كان ولو شهد أحدهما أنه عفا على ألف درهم وشهد الآخر أنه عفا على غير جعل  ، فالشهادة باطلة لاختلافهما في المشهود به ، وهو نظير الطلاق ، والعتاق إذا اختلف الشاهدان فيه بهذه الصفة ، وكذلك إن شهد أحدهما بالصلح بألف والآخر بخمسمائة ; لأن القاتل لا بد أن يدعي شهادة أحدهما ، وهو الذي شهد بخمسمائة فيكون مكذبا شهادة الآخر ، وهو شهادة من شهد بألف ، وإن لم يدعه القاتل وادعاه ولي الدم ، فقد جاز العفو بإقرار الولي بسقوط حقه في القود ، ثم لا يقضي بشيء من المال  [ ص: 161 ] عند  أبي حنيفة  لما ذكرنا أن المدعي مكذب أحد الشاهدين وعندهما  يقبل في الأقل ; لأن مدعي ألف مدع بخمسمائة ضرورة فهذا بمنزلة اختلافهم في دعوى المال مطلقا . 
وكذلك إن شهد أحدهما بالصلح على عبد والآخر بالصلح على ألف درهم ; لأن كل واحد منهما شهد بعقد آخر ، والمدعي لا بد أن يدعي أحد العقدين فيكون مكذبا شهادة الآخر . 

 
				
 
						 
						

 
					 
					