قال : ( رجل وهب لرجل عبدا على أن يعوضه عوضا يوما ، أو اتفقا على ذلك ، ولم يقبض واحد منهما حتى امتنع أحدهما منه    : فله ذلك ، فإن تقابضا : جاز ذلك ) بمنزلة البيع ، وليس لواحد منهما أن يرجع فيه وهذا مذهبنا فإن الهبة بشرط العوض هبة ابتداء بيع انتهاء ، وقال  زفر  رحمه الله ابتداء وانتهاء بيع . 
وفي أحد أقاويل  الشافعي  رضي الله عنه : هو فاسد ; لأن هذا شرط يخالف مقتضى العقد ، فيكون مبطلا للعقد ، وبيانه : أن عقد الهبة عقد تبرع ، واشتراط العوض فيه يخالف مقتضاه  وزفر  رحمه الله تعالى يقول : هذا تمليك مال بمال شرطا ، وكان بيعا فاسدا ابتداء كما لو عقد بلفظ البيع ، أو التمليك ; وهذا لأن في العقود يعتبر المقصود ، وعليه ينبني الحكم ; ألا ترى أنه لو قال اشتريت منك كرا من حنطة صفتها كذا بهذا الثوب ، وبين شرائط السلم يكون سلما ، وإن لم يذكر لفظ السلم ، وأنه لو وهب ابنته من رجل    : كان نكاحا ، ولو وهب امرأته من نفسها    : كان طلاقا ، ولو وهب عبده من نفسه    : كان عتقا ، ولو وهب الدين ممن عليه    : كان إبراء ، فاللفظ واحد ، ثم اختلف العقد لاختلاف المقصود ، والدليل عليه : أنه لو قال وهبت منك منفعة هذه الدار شهرا بعشرة دراهم  يكون إجارة يلزم بنفسه ، وكذلك لو قال : أعرتك ، والإعارة تمليك المنفعة بغير عوض فإذا شرط فيه البدل : كان إجارة ، فكذلك الهبة تمليك الموهوب بغير عوض فإذا شرط العوض : يكون بيعا ، والدليل عليه : أن المكره على الهبة بشرط العوض لو باع    : كان مكرها ، وكذلك المكره على البيع والتسليم إذا وهب بشرط العوض - ولو لم يكونا في الحكم سواء - لم يكن المكره على أحدهما مكرها على الآخر ، وحجتنا في ذلك : أن هذا تمليك المال بلفظ يخالف ظاهره معناه ، فيكون ابتداؤه معتبرا بلفظه ، وانتهاؤه معتبرا بمعناه ، كالهبة في المرض ; فإن ظاهره تمليك في الحال بطريق التبرع ، ومعناه معنى الوصية ، فيعتبر ابتداؤه بلفظه حتى يبطل بعدم القبض ، ولا يتم مع الشيوع فيما يحتمل القسمة ، وانتهاؤه معتبر بمعناه حتى يكون من الثلث بعد الدين ; وهذا لأن الألفاظ قوالب المعاني ، فلا يجوز إلغاء اللفظ - وإن وجب  [ ص: 80 ] اعتبار المعنى - إلا إذا تعذر الجمع للمنافاة - ولا منافاة هنا - فشرط العوض لا يكون أبلغ من حقيقة التعويض ، وبحقيقة التعويض لا ينتفي معنى الهبة ، فبشرط العوض أولى بخلاف النكاح ، والطلاق ، والعتاق ; فإن هناك بين اللفظ والمعنى منافاة ، وقد وجب اعتبار المعنى ; فيسقط اعتبار اللفظ - لذلك - ثم انعقاد العقد باللفظ ، والمقصود هو الحكم ، وأوانه بعد تمام العقد . 
فعند الانعقاد اعتبرنا اللفظ ; لأن العقد به ينعقد ، وعند التمام اعتبر المقصود ، وما تردد بين أصلين توفر حظه عليهما . فالمكاتب لما كان بمنزلة الحر من وجه ، وبمنزلة المملوك من وجه : اعتبر الشبهان . فأما لفظ الإعارة ، أو الهبة في المنفعة فقد حكي عن ابن طاهر الدباس  قال : كنا في تدبير جواب هذه المسألة فوجدت رواية عن  أبي حنيفة    : أنه لا يلزم قبل استيفاء المنفعة ، وبعد التسليم ، يقول : هناك يتعذر اعتبار الجانبين ; لأن المنفعة لا تبقى وقتين فلا يمكن جعل العقد عليها تبرعا ابتداء ، معاوضة انتهاء ; فجعلناه معاوضة ابتداء - بخلاف العين ، على ما قررناه - . وأما مسألة الإكراه : قلنا : المكره مضار متعنت ، ومعنى الإضرار في حكم السبب لا في نفسه ; فلهذا استوفى في حقه البيع والهبة بشرط العوض ، ولهذا جعل الإكراه على الهبة إكراها على التسليم ، وبعد التسليم البيع ، والهبة بشرط العوض سواء ، إذا ثبت هذا الأصل ، فنقول قبل التقابض : العقد تبرع ; فإن لكل واحد منهما أن يرجع عنه ، ولا يملك كل واحد منهما متاع صاحبه - ما لم يقبضه - ولا يجوز في مشاع يحتمل القسمة ، وبعد التقابض هو بمنزلة البيع ، فليس لواحد منهما أن يرجع فيه ويجب للشفيع به الشفعة ، ولكل واحد منهما أن يرد ما في يده بعيب - إن وجد فيه ، كما هو الحكم في البيع - وإن استحق ما في يد أحدهما يرجع على صاحبه بما في يده إن كان قائما ، وبقيمته إن كان هالكا ; لأنه ما رضي بسقوط حقه عن متاعه إلا بشرط سلامة العوض له فإذا لم يسلم رجع بمتاعه إن كان قائما ، وبماليته إن كان هالكا ، وكذلك لو كان الاستحقاق بعد موت أحدهما - وهو معنى ما ذكرنا من حديث  أبي الدرداء  رضي الله عنه - فهو دين عليه في حياته ، وبعد موته . 


						
						
