مسألة : شرب الدم ، وأكل الخنزير ، والميتة  ؟ قال  أبو محمد  رحمه الله : أنا حمام  نا  ابن مفرج  نا  ابن الأعرابي  نا الدبري  نا  [ ص: 381 ]  عبد الرزاق  نا  ابن جريج  ، قلت  لعطاء    : رجل وجد يأكل لحم الخنزير ، وقال : اشتهيته - أو مرت به بدنة فنحرها ، وقد علم أنها بدنة - أو امرأة أفطرت في رمضان - أو أصاب امرأته حائضا - أو قتل صيدا في الحرم  متعمدا - أو شرب خمرا فترك بعض الصلاة فذكر جملة ؟ فقال  عطاء    : ما كان الله نسيا ، لو شاء لجعل ذلك شيئا يسميه ، ما سمعت في ذلك بشيء - ثم رجع إلى أن قال : إذا فعل ذلك مرة ليس عليه شيء ، وإذا عاود ذلك : فلينكل - وذكر الذي قبل امرأته ، والذي أصاب أهله في رمضان . 
وبه - إلى  عبد الرزاق  عن  معمر  عن  قتادة  ، قال : إذا أكل لحم الخنزير ، ثم عرضت له التوبة ، فإن تاب وإلا قتل . 
به - إلى  معمر  عن الزهري  في رجل أفطر في رمضان ، فقال : إذا كان فاسقا من الفساق : نكل نكالا موجعا ، ويكفر أيضا - وإن كان فعل ذلك انتحالا لدين غير الإسلام ، عرضت عليه التوبة . 
وبه - إلى  عبد الرزاق  عن  سفيان الثوري  في أكل لحم الخنزير في كل ذلك : حد كحد الخمر . 
والذي نعرفه من قول  أبي حنيفة  ،  ومالك  ،  والشافعي  ، وأصحابهم ، وأصحابنا : أنه يعزر فقط . 
فهذه في الخنزير خمسة أقوال : قول فيه : الحد كحد الخمر - وقول فيه : أنه لا شيء فيه أصلا - وهو قول  سفيان الثوري    - وأول قولي  عطاء    - 
والثالث : أنه يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل - وهو قول  قتادة  
والرابع : أنه لا شيء عليه في أول مرة ، فإن عاد عزر . 
وقولة خامسة : أنه يعزر ؟ قال  أبو محمد  رحمه الله : فنظرنا فيما يحتج به من رأى أن في ذلك حدا ؟ فلم نجد لهم شيئا إلا القياس ، فلما كانت الخمر مطعومة محرمة ، فيها حد محدود : وجب أن يكون كل مطعوم محرم ، فيه حد محدود كالخمر ، قياسا عليها - وهذا أصح قياس . 
في العالم إن صح قياس يوما ما . 
وطائفة قالت : لم يفرضه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن الصحابة أجمعت على فرضه فصار واجبا بالإجماع .  [ ص: 382 ] 
وطائفة قالت : إنما فرضت قياسا على حد القذف ; لأنها تؤدي إلى السكر ، فيكون فيه القذف . 
فأما الفرقة التي قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض حد الخمر ، فمن أصلهم أن يقاس المسكوت عنه على المنصوص عليه ، وهؤلاء يقيسون مس الدبر على مس الذكر ; لأن كليهما عندهم فرج ؟ ولا يشك ذو حس سليم أنه لو صح القياس ، فإن قياس شرب الدم ، وأكل الخنزير ، والميتة ، على شرب الخمر أصح من قياس الدبر على الذكر ؟ وكلهم يقيسون حكم ماء الورد ، والعسل ، تموت فيه الفأرة ، أو القطاة ، فلا تغير منه لونا ولا طعما ولا ريحا ، على السمن تموت فيه الفأرة - وقياس الخنزير ، والدم ، والميتة ، على الخمر أصح من كل قياس لهم ، ولو صح يوما ما . 
وأما القطاة فليست كالفأرة ; لأن القطاة تؤكل ، والفأرة لا تؤكل ، والقطاة تجزي في الحل والإحرام ، ولا يحل قتلها هنالك - والفأرة لا تجزي ، ويحل قتلها هنالك . 
وكذلك ماء الورد والعسل ، ليس كالسمن ; لأن العسل عند بعضهم فيه الزكاة ، والسمن لا زكاة فيه ، وماء الورد لا ربا فيه عند بعضهم ، والسمن فيه الربا عند جميعهم - فظهر تركهم القياس الذي به يحتجون ، وأنهم لا يحسنونه ، ولا يطردونه . 
وأما الطائفة التي تقول : إن الصحابة رضي الله عنهم فرضوا حد الخمر ، والقياس أيضا لازم لهم ، كما لزم الطائفة المذكورة . 
وأما الطائفة التي قالت : إن حد الخمر إنما فرض قياسا على حد القذف ، والقياس لهؤلاء ألزم ; لأنه كما جاز أن يفرض حد الخمر قياسا على حد القذف ، فكذلك يفرض حد أكل الخنزير ، والميتة ، وشرب الدم ، قياسا على حد الخمر - وجمهورهم يجيزون القياس على المقيس . 
فوضح ما قلناه من فساد أقوالهم . 
ثم نظرنا في قول من قال : يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل ، فوجدناه قد حكم له بحكم الردة عنده - وهذا خطأ ; لأنه قول بلا برهان ، ولا يجوز أن يحكم على مسلم بالكفر من أجل معصية أتى بها إلا أن يأتي نص صحيح ، أو إجماع متيقن ، على أنه  [ ص: 383 ] يكون بذلك كافرا ، وأن ذلك الفعل كفر ، وليس معنا نص ، ولا إجماع ، على أن آكل الخنزير ، والميتة ، والدم غير مستحل لذلك : كافر ، ولكنه عاص ، مذنب ، فاسق ، إلا أن يفعل ذلك مستحلا له ، فيكون كافرا حينئذ ; لأن معاندة ما صح الإجماع عليه من نصوص القرآن ، وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر لا خلاف فيه - فسقط هذا القول لما ذكرنا ، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني محمد  رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام ، وحسابهم على الله   } . 

 
				
 
						 
						

 
					 
					