[ ص: 156 ] باب الحكم في من ترك الصلاة ( 1490 ) مسألة ; قال : ( ومن ترك الصلاة ، وهو بالغ عاقل ، جاحدا لها ، أو غير جاحد  ، دعي إليها في وقت كل صلاة ، ثلاثة أيام ، فإن صلى ، وإلا قتل ) وجملة ذلك أن تارك الصلاة لا يخلو ; إما أن يكون جاحدا لوجوبها ، أو غير جاحد ، فإن كان جاحدا لوجوبها نظر فيه ، فإن كان جاهلا به ، وهو ممن يجهل ذلك ، كالحديث الإسلام ، والناشئ ببادية ، عرف وجوبها ، وعلم ذلك ، ولم يحكم بكفره ; لأنه معذور . 
وإن لم يكن ممن يجهل ذلك ، كالناشئ من المسلمين في الأمصار والقرى ، لم يعذر ، ولم يقبل منه ادعاء الجهل ، وحكم بكفره ; لأن أدلة الوجوب ظاهرة في الكتاب والسنة ، والمسلمون يفعلونها على الدوام ، فلا يخفى وجوبها على من هذا حاله ، فلا يجحدها إلا تكذيبا لله تعالى ولرسوله وإجماع الأمة ، وهذا يصير مرتدا عن الإسلام ، وحكمه حكم سائر المرتدين ، في الاستتابة والقتل ، ولا أعلم في هذا خلافا . وإن تركها لمرض ، أو عجز عن أركانها وشروطها ، قيل له : إن ذلك لا يسقط الصلاة ، وإنه يجب عليه أن يصلي على حسب طاقته . 
وإن تركها تهاونا أو كسلا ، دعي إلى فعلها ، وقيل له : إن صليت ، وإلا قتلناك . فإن صلى ، وإلا وجب قتله . ولا يقتل حتى يحبس ثلاثا ، ويضيق عليه فيها ، ويدعى في وقت كل صلاة إلى فعلها ، ويخوف بالقتل ، فإن صلى ، وإلا قتل بالسيف . وبهذا قال  مالك  ،  وحماد بن زيد  ، ووكيع  والشافعي    . وقال الزهري    : يضرب ويسجن . وبه قال  أبو حنيفة  ، قال : ولا يقتل ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال {   : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان ، أو زنا بعد إحصان ، أو قتل نفس بغير حق   } . متفق عليه . 
وهذا لم يصدر منه أحد الثلاثة . فلا يحل دمه . وقال النبي صلى الله عليه وسلم {   : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها   } . متفق عليه . ولأنه فرع من فروع الدين . فلا يقتل بتركه كالحج ، ولأن القتل لو شرع لشرع زجرا عن ترك الصلاة ، ولا يجوز شرع زاجر تحقق المزجور عنه ، والقتل يمنع فعل الصلاة دائما ، فلا يشرع ، ولأن الأصل تحريم الدم ، فلا تثبت الإباحة إلا بنص أو معنى نص . 
والأصل عدمه . ولنا ، قول الله تعالى : { فاقتلوا المشركين    } إلى قوله : { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم    } . فأباح قتلهم ، وشرط في تخلية سبيلهم التوبة ، وهي الإسلام ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، فمتى ترك الصلاة متعمدا لم يأت بشرط تخليته ، فيبقى على وجوب القتل ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم {   : من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه الذمة   } . وهذا يدل على إباحة قتله ، وقال عليه السلام {   : بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة   } . رواه  مسلم    . 
والكفر مبيح للقتل ، وقال عليه السلام {   : نهيت عن قتل المصلين   } . فمفهومه أن غير المصلين يباح قتلهم . ولأنها ركن من أركان الإسلام لا تدخله النيابة بنفس ولا مال ، فوجب أن يقتل تاركه كالشهادة ، وحديثهم حجة لنا ; لأن الخبر الذي رويناه يدل على أن تركها كفر ، والحديث الآخر استثنى منه { إلا بحقها   } . والصلاة من حقها . وعن  أنس  ، قال : قال أبو بكر    : إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا شهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا  رسول الله ، وأقاموا الصلاة ، وآتوا الزكاة .   } رواه  [ ص: 157 ]  الدارقطني    . 
ثم إن أحاديثنا خاصة ، فنخص بها عموم ما ذكروه ، ولا يصح قياسها على الحج ; لأن الحج مختلف في جواز تأخيره ، ولا يجب القتل بفعل مختلف فيه . وقولهم : إن هذا يفضي إلى ترك الصلاة بالكلية . قلنا : الظاهر أن من يعلم أنه يقتل إن ترك الصلاة لا يتركها ، سيما بعد استتابته ثلاثة أيام ، فإن تركها بعد هذا كان ميئوسا من صلاته ، فلا فائدة في بقائه ، ولا يكون القتل هو المفوت له ، ثم لو فات به احتمال الصلاة ، لحصل به صلاة ألف إنسان ، وتحصيل ذلك بتفويت احتمال صلاة واحدة لا يخالف الأصل . 
إذا ثبت هذا فظاهر كلام  الخرقي  أنه يجب قتله بترك صلاة واحدة ، وهي إحدى الروايتين عن  أحمد    ; لأنه تارك للصلاة ، فلزم قتله ، كتارك ثلاث ، ولأن الأخبار تتناول تارك صلاة واحدة ، لكن لا يثبت الوجوب حتى يضيق وقت التي بعدها ; لأن الأولى لا يعلم تركها إلا بفوات وقتها ، فتصير فائتة لا يجب القتل بفواتها ، فإذا ضاق وقتها علم أنه يريد تركها ، فوجب قتله . 
والثانية : لا يجب قتله حتى يترك ثلاث صلوات ، ويضيق وقت الرابعة عن فعلها ; لأنه قد يترك الصلاة والصلاتين لشبهة ، فإذا تكرر ذلك ثلاثا . تحقق أنه تارك لها رغبة عنها ، ويعتبر أن يضيق وقت الرابعة عن فعلها ; لما ذكرنا . وحكى ابن حامد  ، عن أبي إسحاق بن شاقلا  ، أنه إن ترك صلاة لا تجمع إلى ما بعدها ، كصلاة الفجر والعصر ، وجب قتله ، وإن ترك الأولى من صلاتي الجمع ، لم يجب قتله ; لأن الوقتين كالوقت الواحد عند بعض العلماء . 
وهذا قول حسن . واختلفت الرواية ، هل يقتل لكفره ، أو حدا  ؟ فروي أنه يقتل لكفره كالمرتد ، فلا يغسل ، ولا يكفن ، ولا يدفن بين المسلمين ، ولا يرثه أحد ، ولا يرث أحدا ، اختارها أبو إسحاق بن شاقلا  وابن حامد  ، وهو مذهب الحسن  ،  والنخعي  ، والشعبي  ،  وأيوب السختياني  ، والأوزاعي  ، وابن المبارك  وحماد بن زيد  ، وإسحاق  ،  ومحمد بن الحسن  ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم {   : بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة   } . وفي لفظ عن  جابر  ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { إن بين الرجل وبين الشرك ترك الصلاة   } . وعن بريدة  ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {   : بيننا وبينهم ترك الصلاة ، فمن تركها فقد كفر   } رواهن  مسلم  
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { أول ما تفقدون من دينكم الأمانة ، وآخر ما تفقدون الصلاة   } . قال  أحمد    : كل شيء ذهب آخره لم يبق منه شيء . وقال  عمر  رضي الله عنه : لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة . 
وقال  علي  رضي الله عنه : من لم يصل فهو كافر . وقال  ابن مسعود    : من لم يصل فلا دين له . وقال عبد الله بن شقيق    : لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون شيئا من الأعمال ، تركه كفر ، غير الصلاة . ولأنها عبادة يدخل بها في الإسلام ، فيخرج بتركها منه كالشهادة . والرواية الثانية ، يقتل حدا ، مع الحكم بإسلامه ، كالزاني المحصن ، وهذا اختيار  أبي عبد الله بن بطة  ، وأنكر قول من قال : إنه يكفر . وذكر أن المذهب على هذا ، لم يجد في المذهب خلافا فيه . 
وهذا قول أكثر الفقهاء ، وقول  أبي حنيفة  ،  ومالك  ،  والشافعي    . 
وروي عن  حذيفة  أنه قال : يأتي على الناس زمان لا يبقى معهم من الإسلام  [ ص: 158 ] إلا قول لا إله إلا الله . فقيل له : وما ينفعهم ؟ قال : تنجيهم من النار ، لا أبا لك . وعن والان  ، قال : انتهيت إلى داري ، فوجدت شاة مذبوحة ، فقلت : من ذبحها ؟ قالوا : غلامك . قلت : والله إن غلامي لا يصلي ، فقال النسوة : نحن علمناه ، يسمي ، فرجعت إلى  ابن مسعود  ، فسألته عن ذلك ، فأمرني بأكلها . 
والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم {   : إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله ، يبتغي بذلك وجه الله   } . وعن  أبي ذر  ، قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : { ما من عبد قال لا إله إلا الله ، ثم مات على ذلك ، إلا دخل الجنة   } . 
وعن  عبادة بن الصامت  ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { من شهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا  عبده ورسوله ، وأن عيسى  عبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم  ، وروح منه ، وأن الجنة حق ، والنار حق ، أدخله الله الجنة على ما كان من عمل   } . وعن  أنس  ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال {   : يخرج من النار من قال لا إله إلا الله ، وكان في قلبه من الخير ما يزن برة   } . متفق على هذه الأحاديث كلها ، ومثلها كثير . 
وعن  عبادة بن الصامت  ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {   : خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة ، فمن جاء بهن ، لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن ، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ، ومن لم يأت بهن ، فليس له عند الله عهد ، إن شاء عذبه ، وإن شاء أدخله الجنة   } . ولو كان كافرا لم يدخله في المشيئة . 
وقال  الخلال  ، في " جامعه " : ثنا يحيى  ، ثنا عبد الوهاب  ، ثنا  هشام بن حسان  ، عن عبد الله بن عبد الرحمن  ، عن أبي شميلة  ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى قباء  فاستقبله رهط من الأنصار يحملون جنازة على باب ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما هذا ؟ قالوا : مملوك لآل فلان ، كان من أمره . قال : أكان يشهد أن لا إله إلا الله ؟ قالوا : نعم ، ولكنه كان وكان . فقال لهم : أما كان يصلي ؟ فقالوا : قد كان يصلي ويدع . فقال لهم : ارجعوا به ، فغسلوه ، وكفنوه ، وصلوا عليه ، وادفنوه ، والذي نفسي بيده ، لقد كادت الملائكة تحول بيني وبينه   } . 
وروى بإسناده ، عن  عطاء  ، عن  عبد الله بن عمر  ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {   : صلوا على من قال لا إله إلا الله   } . 
ولأن ذلك إجماع المسلمين ، فإنا لا نعلم في عصر من الأعصار أحدا من تاركي الصلاة ترك تغسيله ، والصلاة عليه ، ودفنه في مقابر المسلمين ، ولا منع ورثته ميراثه ، ولا منع هو ميراث مورثه ، ولا فرق بين زوجين لترك الصلاة من أحدهما ; مع كثرة تاركي الصلاة ، ولو كان كافرا لثبتت هذه الأحكام كلها ، ولا نعلم بين المسلمين خلافا في أن تارك الصلاة يجب عليه قضاؤها ، ولو كان مرتدا لم يجب عليه قضاء صلاة ولا صيام .
وأما الأحاديث المتقدمة فهي على سبيل التغليظ ، والتشبيه له بالكفار ، لا على الحقيقة ، كقوله عليه السلام {   : سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر   } . وقوله {   : كفر بالله تبرؤ من نسب وإن دق   } . وقوله {   : من قال لأخيه يا كافر . فقد باء بها أحدهما   } . وقوله {   : من أتى حائضا أو امرأة في دبرها ، فقد كفر بما أنزل على محمد   } . قال {   : ومن قال : مطرنا بنوء الكواكب . فهو كافر بالله ، مؤمن بالكواكب   } . وقوله {   : من حلف بغير الله فقد أشرك   } . 
وقوله {   : شارب الخمر كعابد وثن   } . وأشباه هذا مما أريد به التشديد في الوعيد ، وهو أصوب القولين ، والله أعلم . 

 
				
 
						 
						

 
					 
					