( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون    ) 
ثم إنه تعالى قال : ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون    ) 
وجه تعلق هذه الآية بما قبلها هو أن الشرك سبب الفساد  كما قال تعالى : ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا    ) [ الأنبياء : 22 ] وإذا كان الشرك سببه جعل الله إظهارهم الشرك مورثا لظهور الفساد ، ولو فعل بهم ما يقتضيه قولهم : ( لفسدت السماوات والأرض    ) [ المؤمنون : 71 ] كما قال تعالى : ( تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا    ) [ مريم : 90 ] وإلى هذا أشار بقوله تعالى : ( ليذيقهم بعض الذي عملوا    ) واختلفت الأقوال في قوله : ( في البر والبحر    ) فقال بعض المفسرين : المراد خوف الطوفان في البر والبحر ، وقال بعضهم : عدم إنبات بعض الأراضي وملوحة مياه البحار ، وقال آخرون : المراد من البحر المدن ، فإن العرب تسمي المدائن بحورا لكون مبنى عمارتها على الماء ، ويمكن أن يقال إن ظهور الفساد في البحر قلة مياه العيون فإنها من البحار ، واعلم أن كل فساد يكون فهو بسبب الشرك ، لكن الشرك قد يكون في العمل دون القول والاعتقاد فيسمى فسقا وعصيانا  ؛ وذلك لأن المعصية فعل لا يكون لله بل يكون للنفس ، فالفاسق مشرك بالله بفعله ، غاية ما في الباب أنالشرك بالفعل لا يوجب الخلود    ; لأن أصل المرء قلبه ولسانه ، فإذا لم يوجد منهما إلا التوحيد يزول الشرك البدني بسببهما ، وقوله تعالى : ( ليذيقهم بعض الذي عملوا    ) قد ذكرنا أن ذلك ليس تمام جزائهم وكل موجب افترائهم ، وقوله : ( لعلهم يرجعون    ) يعني كما يفعله المتوقع رجوعهم مع أن الله يعلم أن من أضله لا يرجع ، لكن الناس يظنون أنه لو فعل بهم شيء من ذلك لكان يوجد منهم الرجوع ، كما أن السيد إذا علم من عبده أنه لا يرتدع بالكلام ، فيقول القائل لماذا لا تؤدبه بالكلام ؟ فإذا قال لا ينفع ، ربما يقع في وهمه أنه لا يبعد عن نفع ، فإذا زجره ولم يرتدع يظهر له صدق كلام السيد ويطمئن قلبه . 


						
						
