الكتاب الثاني 
في مباحث بسم الله الرحمن الرحيم وفيه أبواب 
الباب الأول 
في مسائل جارية مجرى المقدمات وفيه مسائل 
المسألة الأولى : قد بينا أن الباء من ( بسم الله الرحمن الرحيم    ) متعلقة بمضمر  ، فنقول : هذا المضمر يحتمل أن يكون اسما ، وأن يكون فعلا ، وعلى التقديرين فيجوز أن يكون متقدما ، وأن يكون متأخرا ، فهذه أقسام أربعة ، أما إذا كان متقدما وكان فعلا فكقولك : أبدأ باسم الله ، وأما إذا كان متقدما وكان اسما فكقولك : ابتداء الكلام باسم الله ، وأما إذا كان متأخرا وكان فعلا فكقولك : باسم الله أبدأ ، وأما إذا كان متأخرا وكان اسما فكقولك : باسم الله ابتدائي . ويجب البحث ههنا عن شيئين : 
الأول : أن التقديم أولى أم التأخير ؟ فنقول كلاهما وارد في القرآن أما التقديم فكقوله : ( بسم الله مجراها ومرساها    ) وأما التأخير فكقوله :   [ ص: 90 ]   ( اقرأ باسم ربك    ) [ العلق : 1 ] وأقول : التقديم عندي أولى ويدل عليه وجوه : 
الأول : أنه تعالى قديم الوجود لذاته ، فيكون وجوده سابقا على غيره ، والسابق بالذات يستحق السبق في الذكر . 
الثاني : قال تعالى : ( هو الأول والآخر    ) [ الحديد : 3 ] وقال : ( لله الأمر من قبل ومن بعد    ) [ الروم : 4 ] . 
الثالث : أن التقديم في الذكر أدخل في التعظيم . 
الرابع : أنه قال : ( إياك نعبد    ) فههنا الفعل متأخر عن الاسم ، فوجب أن يكون في قوله : ( بسم الله    ) كذلك ، فيكون التقدير باسم الله أبتدئ . 
الخامس : سمعت الشيخ الوالد ضياء الدين عمر    - رضي الله عنه - يقول : سمعت الشيخ  أبا القاسم الأنصاري  يقول : حضر الشيخ أبو سعيد بن أبي الخير الميهني  مع الأستاذ أبي القاسم القشيري  فقال الأستاذ القشيري    : المحققون قالوا ما رأينا شيئا إلا ورأينا الله بعده ، فقال الشيخ أبو سعيد بن أبي الخير    : ذاك مقام المريدين ، أما المحققون فإنهم ما رأوا شيئا إلا وكانوا قد رأوا الله قبله ، قلت : وتحقيق الكلام أن الانتقال من المخلوق إلى الخالق إشارة إلى برهان الآن ، والنزول من الخالق إلى المخلوق برهان اللم ، ومعلوم أن برهان اللم أشرف ، وإذا ثبت هذا فمن أضمر الفعل أولا فكأنه انتقل من رؤية فعله إلى رؤية وجوب الاستعانة باسم الله ومن قال : " باسم الله " ثم أضمر الفعل ثانيا فكأنه رأى وجوب الاستعانة بالله ثم نزل منه إلى أحوال نفسه . 

 
				
 
						 
						

 
					 
					