( من قبل هدى للناس    ) . 
أما قوله تعالى : ( من قبل هدى للناس    )    . 
فاعلم أنه تعالى بين أنه أنزل التوراة والإنجيل قبل أن أنزل القرآن ، ثم بين أنه إنما أنزلهما هدى للناس ، قال الكعبي    : هذه الآية دالة على بطلان قول من يزعم أن القرآن عمى على الكافرين وليس بهدى لهم ، ويدل على معنى قوله ( وهو عليهم عمى    ) [ فصلت : 44 ] أن عند نزوله اختاروا العمى على وجه المجاز ، كقول نوح  عليه السلام ( فلم يزدهم دعائي إلا فرارا    ) [ نوح : 6 ] لما فروا عنده . 
واعلم أن قوله ( هدى للناس    ) فيه احتمالان : الأول : أن يكون ذلك عائدا إلى التوراة والإنجيل فقط ، وعلى هذا التقدير يكون قد وصف القرآن بأنه حق ، ووصف التوراة والإنجيل بأنهما هدى والوصفان متقاربان . 
فإن قيل : إنه وصف القرآن في أول سورة البقرة بأنه هدى للمتقين ، فلم لم يصفه هاهنا به ؟ 
قلنا : فيه لطيفة ، وذلك لأنا ذكرنا في سورة البقرة أنه إنما قال : ( هدى للمتقين    ) [ البقرة : 2 ] لأنهم هم المنتفعون به ، فصار من الوجه هدى لهم لا لغيرهم ، أما هاهنا فالمناظرة كانت مع النصارى  ، وهم لا يهتدون بالقرآن فلا جرم لم يقل هاهنا في القرآن إنه هدى بل قال : إنه حق في نفسه سواء قبلوه أو لم يقبلوه ، وأما التوراة والإنجيل فهم يعتقدون في صحتهما ويدعون بأنا إنما نتقول في ديننا عليهما فلا جرم وصفهما الله تعالى لأجل هذا التأويل بأنهما هدى ، فهذا ما خطر بالبال والله أعلم . 
 [ ص: 140 ] القول الثاني : وهو قول الأكثرين : أنه تعالى وصف الكتب الثلاثة بأنها هدى  ، فهذا الوصف عائد إلى كل ما تقدم وغير مخصوص بالتوراة والإنجيل والله أعلم بمراده . 

 
				
 
						 
						

 
					 
					