[ ص: 60 ] قيل : قد ذهب بعض العلماء إلى تفضيل يوم الجمعة  على يوم عرفة محتجا بهذا الحديث ، وحكى القاضي أبو يعلى  رواية عن أحمد  أن ليلة الجمعة أفضل من ليلة القدر ، والصواب أن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع ، ويوم عرفة ويوم النحر أفضل أيام العام ، وكذلك ليلة القدر ، وليلة الجمعة ، ولهذا كان لوقفة الجمعة يوم عرفة مزية على سائر الأيام من وجوه متعددة . 
أحدها : اجتماع اليومين اللذين هما أفضل الأيام . 
الثاني : أنه اليوم الذي فيه ساعة محققة الإجابة ، وأكثر الأقوال أنها آخر ساعة بعد العصر ، وأهل الموقف كلهم إذ ذاك واقفون للدعاء والتضرع . 
الثالث : موافقته ليوم وقفة رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
الرابع : أن فيه اجتماع الخلائق من أقطار الأرض للخطبة وصلاة الجمعة ، ويوافق ذلك اجتماع أهل عرفة يوم عرفة بعرفة  ، فيحصل من اجتماع المسلمين في  [ ص: 61 ] مساجدهم وموقفهم من الدعاء والتضرع ما لا يحصل في يوم سواه . 
الخامس : أن يوم الجمعة يوم عيد ، ويوم عرفة  يوم عيد لأهل عرفة  ؛ ولذلك كره لمن بعرفة صومه ، وفي  النسائي  عن  أبي هريرة  قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة  بعرفة   ) ، وفي إسناده نظر ، فإن مهدي بن حرب العبدي  ليس بمعروف ، ومداره عليه ، ولكن ثبت في الصحيح من حديث أم الفضل   " أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم : هو صائم ، وقال بعضهم : ليس بصائم ، فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره بعرفة فشربه  . 
وقد اختلف في حكمة استحباب فطر يوم عرفة بعرفة  ، فقالت طائفة : ليتقوى على الدعاء ، وهذا هو قول الخرقي  وغيره ، وقال غيرهم - منهم شيخ الإسلام ابن تيمية   - : الحكمة فيه أنه عيد لأهل عرفة ، فلا يستحب صومه لهم ، قال : والدليل عليه الحديث الذي في " السنن " عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( يوم عرفة  ، ويوم النحر ، وأيام منى ، عيدنا أهل الإسلام  ) . 
 [ ص: 62 ] قال شيخنا : وإنما يكون يوم عرفة  عيدا في حق أهل عرفة لاجتماعهم فيه ، بخلاف أهل الأمصار فإنهم إنما يجتمعون يوم النحر ، فكان هو العيد في حقهم ، والمقصود أنه إذا اتفق يوم عرفة ويوم جمعة ، فقد اتفق عيدان معا . 
السادس : أنه موافق ليوم إكمال الله تعالى دينه لعباده المؤمنين ، وإتمام نعمته عليهم ، كما ثبت في " صحيح  البخاري   " عن  طارق بن شهاب  قال : ( جاء يهودي إلى  عمر بن الخطاب  فقال : يا أمير المؤمنين آية تقرءونها في كتابكم لو علينا معشر اليهود  نزلت ونعلم ذلك اليوم الذي نزلت فيه لاتخذناه عيدا ، قال : أي آية ؟ قال : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا   ) [ المائدة : 3 ] فقال  عمر بن الخطاب   : إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه ، والمكان الذي نزلت فيه ، نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة  يوم جمعة ، ونحن واقفون معه بعرفة   ) . 
السابع : أنه موافق ليوم الجمع الأكبر ، والموقف الأعظم يوم القيامة ، فإن القيامة تقوم يوم الجمعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم  ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها ، وفيه تقوم الساعة ، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرا إلا أعطاه إياه  ) ولهذا شرع الله  [ ص: 63 ] سبحانه وتعالى لعباده يوما يجتمعون فيه ، فيذكرون المبدأ والمعاد ، والجنة والنار ، وادخر الله تعالى لهذه الأمة يوم الجمعة ، إذ فيه كان المبدأ وفيه المعاد ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجره سورتي ( السجدة ) و( هل أتى على الإنسان ) لاشتمالهما على ما كان وما يكون في هذا اليوم ، من خلق آدم  ، وذكر المبدأ والمعاد ، ودخول الجنة والنار ، فكان يذكر الأمة في هذا اليوم بما كان فيه وما يكون ، فهكذا يتذكر الإنسان بأعظم مواقف الدنيا - وهو يوم عرفة   - الموقف الأعظم بين يدي الرب سبحانه في هذا اليوم بعينه ، ولا يتنصف حتى يستقر أهل الجنة في منازلهم ، وأهل النار في منازلهم . 
الثامن : أن الطاعة الواقعة من المسلمين يوم الجمعة وليلة الجمعة ، أكثر منها في سائر الأيام حتى إن أكثر أهل الفجور يحترمون يوم الجمعة وليلته ، ويرون أن من تجرأ فيه على معاصي الله عز وجل عجل الله عقوبته ولم يمهله ، وهذا أمر قد استقر عندهم وعلموه بالتجارب ، وذلك لعظم اليوم وشرفه عند الله ، واختيار الله سبحانه له من بين سائر الأيام ، ولا ريب أن للوقفة فيه مزية على غيره . 
التاسع : أنه موافق ليوم المزيد في الجنة ، وهو اليوم الذي يجمع فيه أهل الجنة في واد أفيح ، وينصب لهم منابر من لؤلؤ ، ومنابر من ذهب ، ومنابر من زبرجد وياقوت على كثبان المسك ، فينظرون إلى ربهم تبارك وتعالى ، ويتجلى لهم فيرونه عيانا ، ويكون أسرعهم موافاة أعجلهم رواحا  [ ص: 64 ] إلى المسجد ، وأقربهم منه أقربهم من الإمام ، فأهل الجنة مشتاقون إلى يوم المزيد فيها لما ينالون فيه من الكرامة ، وهو يوم جمعة ، فإذا وافق يوم عرفة كان له زيادة مزية واختصاص وفضل ليس لغيره . 
العاشر : أنه يدنو الرب تبارك وتعالى عشية يوم عرفة من أهل الموقف ، ثم يباهي بهم الملائكة فيقول : (ما أراد هؤلاء ، أشهدكم أني قد غفرت لهم  ) وتحصل مع دنوه منهم تبارك وتعالى ساعة الإجابة التي لا يرد فيها سائلا يسأل خيرا فيقربون منه بدعائه والتضرع إليه في تلك الساعة ، ويقرب منهم تعالى نوعين من القرب ، أحدهما : قرب الإجابة المحققة في تلك الساعة ، والثاني : قربه الخاص من أهل عرفة  ، ومباهاته بهم ملائكته ، فتستشعر قلوب أهل الإيمان هذه الأمور فتزداد قوة إلى قوتها ، وفرحا وسرورا وابتهاجا ، ورجاء لفضل ربها وكرمه ، فبهذه الوجوه وغيرها فضلت وقفة يوم الجمعة على غيرها . 
 [ ص: 65 ] وأما ما استفاض على ألسنة العوام بأنها تعدل ثنتين وسبعين حجة ، فباطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أحد من الصحابة والتابعين ، والله أعلم . 

 
				
 
						 
						

 
					 
					